واشنطن ودمشق وجهاً لوجه في جنوب سورية؟
ناصر قنديل
– منذ بدايات الحرب على سورية ظهرت تشكيلات «القاعدة» العسكرية، بصفتها الذراع القوية في وجه الدولة السورية، وبدت التشكيلات التابعة لمسمّيات علمانية شعبياً وسياسياً وعسكرياً، مجرّد ديكور ضروري لإبراز مشهد ثورة شعبية، تبرّر التدخل الخارجي، وتشكل القوة التي يريدها أصحاب مشروع الحرب أن تشكل حصان طروادة الذي يدخلونه إلى قلب بنية الدولة في أي تسوية، إذا استعصت السيطرة على سورية بكاملها، ولأنّ أصحاب الحرب أعلنوا عن أنفسهم في مؤتمرات أسموها بـ»أصدقاء سورية»، التي ضمّت عشرات الدول المحسوبة على خانة واشنطن بصورة كاملة، والتي بقي خارجها الفريقان الرئيسيان للحرب، مشغّل الحرب الذي تمثله «إسرائيل»، وذراع الحرب التي تمثلها «القاعدة»، وتولت أميركا وفرنسا وتركيا والسعودية وقطر إدارة دفة تحالف الحرب وما يقتضيه، من مال وسلاح وإعلام ومواكبة ديبلوماسية، وأعمال استخبارية، سواء لتدمير بنى الجيش السوري وقياداته، أو استهداف النسيج الاجتماعي السوري لتفكيكه، لكن التعهّد الرئيس الذي تولاه حلف الحرب هو حماية بقاء مسمّيات المعارضة على قيد الحياة كواجهة تدّعي قيادة المواجهة مع الدولة من جهة، واستجلاب أكبر عدد من مقاتلي «القاعدة» لتولي هذه المواجهة فعلياً من جهة أخرى.
– كان الغرب وفي طليعته واشنطن ومن معهما من العرب والحلفاء، يراهنون على وقوع الدولة السورية في الفخ الذي رسموه، فتخشى ظهور المجموعات التي يرسلونها لتقاتلها من متفرّعات «القاعدة»، وتجعل قتالها أولوية، وينتج هذا الاستنزاف المفتوح ضعفاً للدولة، وفرص نمو لمن يضعونهم على معالفهم المتعدّدة من جماعاتهم التي تستعمل يافطات المعارضة وخصوصاً «مجلس اسطنبول» ووريثه «ائتلاف الدوحة»، وذراعهما العسكرية المسمّاة بـ»الجيش الحر»، وكلما تصرّفت الدولة السورية عكس ذلك نظموا عليها حملات إعلامية مركزة للابتزاز، بتهمة اختراع فروع «القاعدة»، وإنشائها، لدفعها نحو جعل قتالها بأولوية واحدة هي متفرّعات «القاعدة» لردّ هذا الاتهام، لكن الدولة في سورية، ذات ذكاء استراتيجي، وتعرف من البدايات أنّ السماء لا تمطر شيشان وأفغان وصوماليين وتونسيين وليبيين، وأنّ من يجلبهم لديه هدف يتخطى حدود المهمة العسكرية المباشرة. ورسمت الدولة السورية صورة للسيناريو الافتراضي للحرب عليها، وخلاصته اختباء القوى المحرّكة للحرب وراء يافطة المعارضة التي يجب أن تصل معافاة حتى خط النهاية، وتجلس من موقع القوة على طاولة المفاوضات، وأن لا يظهر «الإسرائيلي» في الصورة، ولا تظهر «القاعدة» بمكوّناتها وفروعها كمنتج لحلف الحرب. فرسمت خطتها المعاكسة، والنتيجة اليوم واضحة، «إسرائيل» استدرجت للظهور مباشرة في الحرب، و»الجيش الحر» اختفى وتلاشت معه فانتازيا الائتلاف وما سُمّي بالمعارضة المعتدلة، وصارت مفردات «القاعدة» معلنة، وبدأ خطرها يدق أبواب الذين استجلبوها إلى سورية، وانفضح دور حلف الحرب في جلب القاعديين، ويكفي ما قاله نائب الرئيس الأميركي جو بايدن عن دور حلفائه في جلب مقاتلي «القاعدة» وما تحفل به وسائل الإعلام الغربية من تقارير ووثائق عن شركات ومؤسسات ومكاتب أنشئت، لتصدير المقاتلين إلى سورية من كلّ أصقاع الدنيا.
– ربحت سورية نصف الحرب، وبقي النصف الثاني في مواجهة الخطة المكمّلة للخطة الأولى، والتي اكتشفتها سورية مبكراً. فسورية تدرك أنّ حربها مع أميركا، والباقي كومبارس، وجواب سورية هو: مقابل «إسرائيل» ها هي المقاومة، وبدرجة وضوح الدور «الإسرائيلي» يتوضح ويعلن دور المقاومة، وكلما تمادت «إسرائيل» في لعبة النار، ظهرت نار المقاومة التي أعدّت بعناية على رغم كلّ مشاكل الحرب، لتكون جاهزة وفعّالة ومفاجئة عند الحاجة، وطالما أنّ أميركا هي مايسترو الحرب، فكلّ من تمتدحه أميركا هو أولوية الإسقاط، وكلّ من تعلن الحرب عليه، هو الحلقة الأخيرة للحرب، وهذه هي الحال بالتتابع لكلّ من «الجيش الحر» الذي كان أولوية الإسقاط و»داعش» الذي يبقى الحلقة الأخيرة لحرب سورية، ولكن يبقى في الوسط من تتغاضى عنه أميركا، ولا تذكره إلا كلّ ستة شهور مرة، ويقدّمه حلفاء أميركا كلّ على طريقته فتصفه «إسرائيل» بالجهة الموثوقة، وغيرها يصفه بالفريق المعتدل، وتصله الأموال والأسلحة بلا توقف، ويتسلّم حدود سورية مع لبنان والأردن، وتعلن «إسرائيل» أنه مشروعها لحزام أمني في الجولان، إنه «جبهة النصرة»، الخطة رقم «ب»، إذن تضع الدولة السورية أولويتها الجديدة، وخطتها الجديدة، العمل علناً وبلا حرج مع المقاومة في جنوب سورية للقضاء على «جبهة النصرة»، واستفزاز «إسرائيلّ» بهدم جدارها الحدودي، بعدما قادها الغباء «الإسرائيلي» بتقديم عملية القنيطرة عذراً للمقاومة لردّ في مزارع شبعا يرسم ميزان ردع وقواعد اشتباك جديدة، فإنْ تدخلت «إسرائيل» في الحرب على «النصرة»، كانت تخرق قواعد الاشتباك وتذهب للحرب وتحت أي عنوان؟ الدفاع عن فرع تنظيم «القاعدة»؟ والتدخل في مواجهة يفترض أنها لا تعنيها، تدور بين الجيش السوري والإرهابيين على الأرض السورية… وإلا فلتتجرّع «إسرائيل» سمّ هزيمتها وتصمت.
– بعد النصر في نهايات حرب الجنوب السوري، ولو استغرقت شهوراً، وتضحيات، ستكون الحرب قد انتهت عملياً في سورية، وما بقي هو تنظيم «داعش»، الذي تستطيع سورية أكثر من أي دولة أخرى في العالم التعايش مع وجوده كتحدّ، تقرّر هي توقيت الحرب عليه، وهذه المرة، عندما يرضخ الأميركي وتحالفه الفاشل والغبي لشروط سورية في كيف يمكن هزيمة «داعش» والقضاء على دويلته.
– الحروب أولاً وأخيراً، قيمتها المضافة بثلاث تتفوّق فيها سورية، القضية المحقة، وامتلاك السيطرة على الزمن، والقدرة على تحمّل التضحيات، ثلاث لا تملكها أميركا فتخسر.