حكومة تصريف الأعمال ومشروع الموازنة العامة
د. محمد مشيك
يقف لبنان أمام إشكالية تضارب آراء حول إمكانية إقرار مشروع الموازنة العامة من قبل حكومة تصريف الأعمال، حكومة الرئيس حسان دياب، (خصوصاً مع وجود رئيس مكلّف لتشكيل حكومة جديدة هو الرئيس سعد الحريري)، وما يطرح ذلك من إشكاليات قانونية.
من البديهي القول إنّ مشروع الموازنة هو عمل تشترك فيه السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية. وقد اختلفت صلاحية الجهات التي تقوم بإعداد الموازنة العامة في لبنان، بعد التعديلات الدستورية التي جرت بموجب وثيقة الوفاق الوطني.
لقد كان إعطاء مجلس الوزراء حقّ إصدار الموازنة بمرسوم – وهي قاعدة معمول بها في كلّ الدول البرلمانية – يهدف إلى حثّ مجلس النواب ودفعه للقيام بمهامه، وخصوصاً أنّ مهمّة المجلس النيابي هي تشريعية ورقابية على الحكومة، بينما دور الحكومة هو سياسي واقتصادي وإنمائي.
بموجب التعديلات الدستورية التي فرضتها وثيقة الوفاق الوطني، نصّت المادة 86 من الدستور اللبناني لعام 1990، على أنّ «إذا لم يبتّ مجلس النواب نهائياً في شأن مشروع الموازنة قبل الانتهاء من العقد المعيّن لدرسه، فرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة يدعو المجلس فوراً إلى عقد استثنائي يستمرّ لغاية نهاية كانون الثاني لمتابعة درس الموازنة وإذا انقضى العقد الاستثنائي هذا، ولم يبتّ نهائياً في مشروع الموازنة فلمجلس الوزراء أنّ يتخذ قراراً، يصدر بناء عليه عن رئيس الجمهورية، مرسوم يجعل بموجبه المشروع بالشكل الّذي تقدّم به إلى المجلس مرعياً ومعمولاً به. ولا يجوز لمجلس الوزراء أنّ يستعمل هذا الحقّ إلاّ إذا كان مشروع الموازنة قد طرح على المجلس قبل بداية عقده بخمسة عشر يوماً على الأقلّ».
في المقابل يجدر الذكر أنّه، في مدّة العقد الاستثنائي المذكور تجبى الضرائب والتكاليف والرسوم والمكوس والعائدات الأخرى كما في السابق، وتؤخذ ميزانية السنة السابقة أساساً، ويضاف إليها ما فتح بها من الاعتمادات الإضافية الدائمة، ويحذف منها ما أسقط من الاعتمادات الدائمة، وتأخذ الحكومة نفقات شهر كانون الثاني من السنة الجديدة على القاعدة الإثني عشرية.
إلى ذلك كان يجب أنّ يتمّ تحويل مشروع الموازنة العامة لعام 2021 وفقاً للمهل الدستورية قبل شهر من الآن، والواقع السياسي والتشريعي في لبنان، قد أثبت أنّ الأزمات السياسية التي يعيشها اللبنانيون، لا تنتهي بمدّة زمنية معقولة، حيث تفترض المرونة في المسؤوليات السياسية الواقعة على عاتق الأحزاب اللبنانية، العمل من أجل وضع الحلول الملائمة لإنهاء الخلافات السياسية، خصوصاً أنّ الوضع الاقتصادي والاجتماعي والصحيّ للمواطنين اللبنانيين في العام 2021 سيّئ جداً.
وبما أنّ حكومة تصريف الأعمال (حكومة الرئيس حسان دياب) لم تعد مسؤولة سياسياً أمام البرلمان، نصّ الدستور على اكتفاء الوزارات بالنشاط الّذي يدخل مفهوم تسيير الشؤون الضرورية ذات الصلة بالمصلحة العامة. وأن لا تمارس الحكومة، صلاحياتها قبل نيلها الثّقة ولا بعد استقالتها أو بعد اعتبارها مستقيلة إلاّ بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال (المادة 64/2 دستور 1990).
من حيث المبدأ، يكون تصريف الأعمال نتيجةً لمبدأ استمرارية المرفق العام الّذي يجب أنّ لا يتوقف عن العمل لارتباطه بتسيير المصالح العامة للمواطنين، لذلك نصّ الدستور على أنّه في حال استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة تستمرّ في تصريف الأعمال ريثما يتمّ تشكيل حكومة جديدة، وعند صدور مرسوم تشكيل الحكومة وقبل نيلها الثّقة من المجلس النيابي (المادة 69/1990).
أمّا رأي الفقه الدستوري، في لبنان وخارجه، اختلف حول ما تحتويه عبارة «تصريف الأعمال»، من المسلّم به أنّ كلّ ما يمكن أنّ يشغل مسؤولية الحكومة السياسية يخرج عن نطاق تصريف الأعمال. ولكن يبقى السؤال مطروحاً، إذ ما من عمل تقدم عليه الحكومة إلاّ ويمكن مساءلتها عليه من قبل البرلمان.
لقد كان هذا النصّ ردّ فعل على ممارسة حكومة رشيد كرامي المستقيلة، ومن ثمّ حكومة الرئيس الحصّ، لكامل صلاحياتها الدستورية مع كونها مستقيلة، كاقتراح مشاريع القوانين والتعيينات الإدارية في ظلّ حالة المقاطعة ومن خلال المراسيم الجوالة، كلّ ذلك استناداً إلى نظرية الظروف الاستثنائية.
من هنا فإنّ التأخرّ في إحالة مشروع الموازنة العامة إلى المجلس النيابي له ما يبرّره، خصوصاً في ما يتعلّق بفذلكة الموازنة التي يجب أنّ ترسلها وزارة المالية مع مشروع الموازنة، والتي تتضمّن بياناً عن الحالة الاقتصادية والمالية في البلاد، إضافةً إلى تقرير عن السياسة المالية التي تنوي الحكومة إتباعها في السنة التالية، والمشاريع والمصالح التي تنوي تحقيقها في مختلف الميادين.
إضافةً إلى ما تقدّم، في حال إقرار الموازنة العامة من قبل حكومة مستقيلة، تكون هناك إشكالية بالنسبة لمسؤوليتها أمام البرلمان، ومع وجود رئيس مكلّف (الرئيس سعد الحريري)، سيكون مشروع الموازنة العامة ملزماً له ومع ما يؤثّر ذلك على سياسات الحكومة المالية ورؤيتها الإصلاحية.
خلاصة الأمر: إنّ عدم إقرار الموازنة في لبنان، خصوصاً في حال أزمة عدم التأليف الحاصلة وامتدادها إلى زمن غير معقول، له تأثير على الوضع الاقتصادي والاجتماعي العام في البلاد، وقد حدّد الدستور طريقة الإنفاق، الّذي يحصل بناء على القاعدة الإثنتي عشرية، ووضع لبنان في العام 2021 مغاير لما كان عليه سابقاً، ويستوجب العمل على وجود حكومة جديدة.