في الذكرى 63 للوحدة المصرية ـ السورية غابت دولة الوحدة… فهل تغيب فكرتها أيضاً
} معن بشور
بعد 63 عاماً على قيام أول وحدة عربية معاصرة بين مصر وسورية في 22/2/1958، من حق المواطن العربي أن يتساءل: هل غابت فكرة الوحدة العربية من خطابنا وبرامجنا وتطلعاتنا بعد أن غابت دولة الوحدة يوم الانفصال المشؤوم في 28/2/1961؟
ومع مرارة هذا التساؤل، يبرز تساؤل آخر لا يقل مرارة عنه: هل هناك صلة بين تراجع العمل الوحدوي العربي، الرسمي والشعبي، وبين ما نراه حولنا من محاولات لتمزيق الكيانات الوطنية القائمة وضرب نسيجها الوطني الواحد عبر إثارة كل أنواع العصبيات والغرائز العرقية والطائفية والمذهبية والعشائرية «المزدهرة» هذه الأيام في بلادنا العربية من المحيط إلى الخليج… بل هل يمكن لنا أن نقرأ موجات التخاذل السائدة بين العديد من أنظمتنا العربية، وعنوانها التطبيع هذه الأيام، بعيداً عن هذا التراجع في الدعوة الوحدوية لهذه الأمة…
في هذا الإطار أيضاً هل يمكن أن نفهم هذا التردي في الأمن القومي للأمة، والأمن الوطني لكلّ قطر من الأقطار العربية، بل هل يمكن ان نفهم هذا التخبّط في مسار التنمية العربية الذي تشهده أقطارنا، الغني منها بموارده أو غير الغني في آن، بمعزل عن هذا الاضطراب في العلاقات البينية بين الأقطار العربية وقد بات أمنها مكشوفاً من الجهات كلها، كما أصبحت تنميتها متعثرة فيما يزحف الفقر والبؤس والبطالة الى كلّ مجتمعاتنا العربية…
من هنا تبرز الحاجة الى الوحدة العربية ليس كأمر عاطفي وجداني فقط، كما يحلو للبعض ان يصوره، او كدعوة أيديولوجية يحملها بعض المتمسكين بعروبتهم كالقابضين على الجمر فحسب، بل تبرز الحاجة الى الوحدة بين العرب بأي شكل من أشكالها أيضاً، كحاجة استراتيجية، وكضرورة اقتصادية، وكحصن أمني على مستوى الأمة، كما على مستوى الأقطار.
ولقد أثبتت الأيام أن الانفصال بين الإقليم الجنوبي (مصر) والإقليم الشمالي (سورية) عام 1961 لم يكن عملاً يستهدف أول دولة وحدوية في العصر الحديث فقط (الجمهورية العربية المتحدة) بل كان فعلاً يستهدف جعل التجزئة، التي فرضها الاستعمار الغربي على أمتنا، «حقيقة وحقاً»…
فالانفصال أريدَ له أن يكون إعلاناً للأمة كلها بأنّ «التجزئة» التي كرّستها اتفاقية سايكس – بيكو بعد الحرب العالمية الأولى هي الحقيقة، وأنّ «الوحدة» هي الوهم والخيال، وأنّ التجزئة هي حق للأقطار وليست باطلاً ينبغي مواجهته.
ولعله من اللافت أيضاً أنّ أكثر المحذرين من «مشاريع إقليمية» في المنطقة ويدعون الى مواجهتها يتجاهلون أن المشروع العربي هو المشروع الوحيد القادر على مواجهة أي مشروع إقليمي طامع، وأن لا قيام لأي مشروع عربي حقيقي دون قيام شكل من أشكال الوحدة بين أقطار الأمة، سواء كانت تعاوناً جدياً، أو تنسيقياً شاملاً، أو تشبيكاً وظيفياً أو علاقة كونفدرالية، أو اتحاداً فيدرالياً…
بل أنّ هذه الوحدة، بأيّ مستوى، هي أيضاً الضمانة لكي يدخل العرب العصر الذي لا مكان فيه إلا للتكتلات الكبرى، علماً أن الهم الرئيسي للدول الاستعمارية هو في منع قيام أي وحدة بين العرب لأن ذلك يمنح أمتنا فرصة حقيقية للاستقلال ولممارسة دورها الحضاري والقيادي في العالم كله وربما هذا ما يفسر هذا الحرص «الاستراتيجي» على الكيان الصهيوني الذي ما تواطأت دول استعمارية على قيامه إلا ليكون حاجزاً يمنع الوحدة بين مصر وبلاد الشام، ويحول دون التواصل بين مشرق الوطن العربي ومغربه.
إن الغالبية الواسعة من العرب تدرك أهمية الوحدة العربية، وقد حملت على الأكف لعقود كل قائد أو حزب أو حركة ناضلوا من أجل تحقيق هذا الهدف الذي كان أحد أبرز أهداف الحركة القومية العربية بكلّ أجنحتها، بل هو اليوم الهدف الأول من أهداف المشروع النهضوي العربي الستة، الذي اعتبر ان كلّ خطوة يحققها العرب على طريق الوحدة تجعلهم أقرب إلى تحقيق الأهداف الأخرى للمشروع وهي الديمقراطية، والاستقلال الوطني والقومي، والتنمية المستقلة، والعدالة الاجتماعية، والتجدّد الحضاري، تماماً كما أن كل خطوة باتجاه هذه الأهداف تجعل العرب أقرب إلى وحدتهم…
لكن السؤال الأبرز في هذا المجال كيف نصل الى الوحدة…
1 ـ أن تعود الوحدة العربية هدفاً مركزياً لكل النهضويين العرب يطرحونه في خطابهم، وبرامجهم، ويتصدر جداول أعمالهم، ويحشدون الجماهير حوله وحول خطوات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو ثقافية على طريقه، وتلك معادلة أطلقها الآباء المؤسسون للفكر الوحدوي العربي «انّ نضال الوحدة هو الطريق لوحدة النضال».
2 ـ التركيز على القضايا الرئيسية الجامعة في الأمة، وتجاوز كل المحاولات لصرف الأنظار عنها وتحويلها الى قضايا فرعية، وفي هذا المجال تبرز قضية فلسطين كقضية جامعة، أراد الأعداء من خلال احتلالها ضرب الوحدة في الأمة، فليكن اليوم نضالنا لتحريرها طريقنا لتوحيد قوى الأمة… ومن هنا تبقى المقاومة في رأس أشكال هذا النضال لأن الوحدوي هو بالتعريف مقاوم لكل ما يعيق وحدة الأمة وحريتها واستقلالها وسيادتها على كلّ أرضها.
3 ـ احتضان كلّ مؤسسة ومبادرة وإطار ومشروع وحدوي عربي، سواء على المستوى النضالي أو الفكري أو السياسي أو النقابي أو الاقتصادي، والعمل على تطويره وتعميقه وإبعاده عن كل الأمراض التي تنهش بالعديد من مؤسساتنا وتجاربنا والناجمة عن تغليب الاعتبارات الشخصية والذاتية والفئوية، على المصلحة القومية الجامعة.
4 ـ السعي لإطلاق أو تطوير أيّ مشروع مشترك بين الأقطار العربية سواء على مستوى العلاقات الاقتصادية البينية، أو العسكرية، أو الثقافية، أو التربوية، أو الفنية خصوصاً على مستوى السوق العربية المشتركة، أو الاتحاد الجمركي العربي، أو المشاريع الاقتصادية العابرة للأقطار، أو وسائل النقل البحري والجوي والبري، أو عبر الغاء كل العوائق أمام انتقال الأشخاص والسلع والرساميل انطلاقاً من أن الوحدة الاقتصادية العربية هي حجر ارتكاز في بناء الوحدة العربية الشاملة..
5 ـ دعم كلّ الوحدات الإقليمية في إطار الوطن العربي الكبير، واعتبارها خطوات على طريق الوحدة والسعي لتحقيق تكامل بينها، والحؤول دون تحويلها إلى محاور متعارضة أو متناقضة في ما بينها.
6 ـ العمل على تنفيذ كل القرارات والمعاهدات والاتفاقيات المعقودة بين الدول العربية سواء معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي، أو المتصلة بالصراع العربي الصهيوني ودعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته، أو على المستوى الإعلامي والثقافي والتربوي ومقاطعة العدو، والعمل على تطوير كل المنظمات ذات الصلة بهذه الأمور.
7 ـ تعزيز الخطاب الوحدوي الجامع الذي يركز على المشتركات بين الأقطار والتيارات وتطويرها، ومراجعة السلبيات في هذه العلاقات والسعي لتجاوزها، واعتبار الدعوة الوحدوية لا تتجزأ من أصغر خلية في الأمة إلى مستوى الدول مروراً بالجماعات والمكونات الأثنية داخل الوطن العربي…. فلا وحدة دون وحدويين، ولا وحدويون دون خطاب وحدوي جامع، وممارسة وحدوية عابرة للانقسامات والعصبيات.
8 ـ النظرة الإيجابية بالتفاعل مع أي دعوة وحدوية سواء كانت أضيق من الوحدة العربية أو أوسع منها، لأنّ كلّ وحدة وطنية أو إقليمية أو إسلامية تشكل خطوة على طريق الوحدة العربية، بل ضمانة لها، فالعروبة كما نفهمها هي هوية تنطوي على تكامل وطنيات، وتواصل أديان، وتفاعل إنساني واسع…
9 ـ التركيز على ربط الأجيال الجديدة في الأمة بهويتها العربية، وبفكرة الوحدة العربية من خلال مبادرات ومؤسسات وأطر عمل يشارك الشباب في اطلاقها وانجاحها بعيدة عن أيّ وصاية أو تلقين أو استغلال حزبي أو فئوي، فمستقبل الأمة مرهون بوحدتها، ومستقبل الوحدة مرهون بشباب الأمة.
10 ـ الاهتمام بتعميم الثقافة التاريخية التي تظهر دور العرب في الحضارة العربية الإسلامية، ودور هذه الحضارة في الحضارة الإنسانية، كما تعميم صور من النضال الذي عرفه العرب على مدى قرون في مواجهة المستعمرين والغزاة.
11 ـ التأكيد على ثقافة التنوع ضمن الوحدة، واحترام الخصوصيات داخل الأمة الجامعة في إطار الاهتمام بآليات الوحدة والنهوض وهي ثلاث: (1) آلية التواصل بين الأقطار والأفكار والأجيال، (2) آلية التكامل بين التجارب والخبرات والبيئات، (3) آلية التراكم التي تحدث التحول النوعي الناجم عن التواصل والتكامل.
12 ـ إيلاء التربية ذات المضمون القومي والتحرري والديمقراطي ووضع المناهج الكفيلة بتعميق الانتماء الوطني والقومي والإنساني للأجيال الجديدة باعتبار المدرسة والجامعة تشكلان مع العائلة ثالوث التنمية الفكرية والعلمية والأخلاقية والوطنية عند المواطن.
بالتأكيد هي أفكار للنقاش، يمكن تعديلها أو الإضافة عليها، ولكن تحت شعار بسيط: «هيّا إلى الوحدة» بأيّ مستوى متاح، فالوحدة طريقنا الى الحرية والكرامة والعدالة والتنمية والتجدّد الحضاري حتى يكون لنا شأن في محيطنا والعالم.