حكومة مستقلين ترعاها فرنسا وحلفاؤها؟
} د. وفيق إبراهيم
هل تمر مثل هذه الحكومة، علماً أنها ليست الاولى التي تحمل هذه المواصفات وأصيبت برفض شديد لها في مرحلة المداولات؟
لماذا اذاً تصبح مقبولة الآن؟ الواضح ان كل الصيغ الحكومية سقطت الواحدة تلو الأخرى ولم تتمكن محاولات الاستحواذ على لبنان لفئة مذهبية على حساب الفئات الأخرى من عبور خطوط الصراعات.
يبدو أن الفرنسيين يسعون الى إقناع السعوديين والأميركيين الى ان حكومة مستقلة تستطيع ان تستفيد اولاً من جري لبنان نحو الانفجار وتجمع بين فريق الرئيس عون ومجموعة الحريري على أن تتولى اتصالات خاصة إرضاء بري والدروز.
بذلك تجتمع كل مكونات السياسة اللبنانية تحت العلم الفرنسي إنما مع مشاركات سعودية أميركية.
هل يمكن أولاً للفرنسيين تجاوز ثلاث قوى دولية وإقليمية وقوى داخلية لا تقل وزناً حتى يطرحوا مبادرتهم.
ربما هذه النقطة هي الأسهل لأن الفرنسيين لن يبدأوا بمشروعهم اللبناني الا بعد الموافقات السعودية الاميركية.
ويبدو أن الأميركيين الذين يعملون على تنظيم شؤون المنطقة من اليمن الى لبنان يريدون تنظيم شؤون الإقليم حسب ما يخطط له مشروع بايدن، لذلك فإن المشروع الفرنسي حسب وجهة النظر الأميركية هو انتزاع لبنان من المشروع الإيراني نسبياً بقدر معين والا فتركه له مقابل تنازلات في أمكنة أخرى.
هل ينجح الفرنسيون؟
من الصعب توقع حلول لمشكلة شديدة التعقيد وتحمل في طياتها تشابكاتها من الدول والقوى. يكفي اذا تعرضت واحدة منها حتى يسقط المشروع بالضربة القاضية.
لبنانياً، هناك لاهثون حتى الآن خلف تشكيل لبنان على أساس ماروني على أن تكون لبقية القوى اللبنانية حصص بسيطة.
حتى الآن هناك قوى لبنانية تعتقد بإمكانية الاستيلاء على لبنان بواسطة الضغط الدولي.
لذلك كيف يمكن للكاردينال الراعي أن يقبل بالمبادرة الفرنسية وهو اللاهث وراء مؤتمر دولي يجرّد حزب الله من إمكاناته الكبرى ومعه نفر من صغار السياسيين يلعبون دور الأبواق في الترويج للمؤتمر الدولي، حتى أن القوات اللبنانية جعجع لم تعد تطالب إلا بهذا المؤتمر بالترافق مع الانتخابات الداخلية؟
وبالطبع، فإن قوات جعجع تطالب بانتخابات مسيحية، ما يدل على اقتراب سقوط مكره للبنان كمشروع إسلامي مسيحي لمصلحة لبنانية وعلى أساس حياديته بين «إسرائيل» وسورية؛ انما ماذا تتضمن المبادرة الفرنسية؟
تقوم المبادرة الفرنسية الأميركية السعودية على إطار تحالفي ينسحب على مناطق أخرى ما يجعل السعودية تعتقد بإمكانية انسحابها على مجابهة إيران الى جانب «إسرائيل».
وتعتبر هذه المبادرة أن رأس الحلقتين اللبنانيتين للتفاوض هما الرئيس عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري.
لكن هذا لا يعني استبعاد الأطراف اللبنانية الأخرى، ما جعل الفرنسيين يخصصون موفداً خاصاً سرياً لمفاوضة الرئيس نبيه بري. وهذه مفاوضات تؤدي مباشرة للوصول الى حزب الله لكن نتائجها غامضة وشديدة الالتباس.
ما هو هام هنا أن هذه المبادرة تطرح المساواة بين الموارنة والسنّة والشيعة في عديد الوزراء على أن يتم إرضاء الأطراف اللبنانية الأخرى بجرعات فرنسية من كونياك خفيف يروق لجنبلاط والطاشناق وآخرين أيضاً.
فهل تنجح هذه المبادرة؟
الانهيار الاقتصادي المتفاقم في لبنان قد يشجع على استسلام القوى اللبنانية للمشروع الدولي، خصوصاً أن البديل فائت وبات اللبنانيون على مقربة من الانفجار ولولا غياب البديل لانفجر اللبنانيون. وهذا ما يراهن عليه السياسيون اللبنانيون الذين يمسكون بالمواقع السياسية ولا يفعلون شيئاً لأنهم يعرفون ان الطوق الدولي المحيط بلبنان يؤيّدهم وهم فرنسا اميركا السعودية وإيران وهو أقوى محور موجود في الشرق الأوسط يتصارع في معظم المواقع وقد يمتلك هذا المشروع سلطة في لبنان، لكن المشكلة انه يستعملها في مشاريعه الإقليمية. فتتعطل أهمياتها اللبنانية الى حدود الشلل. فهل يمكن تمرير الخطة الفرنسية؟
لا شك في أن لبنان في مرحلة انهيار كامل ولا يمكن للمساعدات الدولية أن تصله إلا بعد تشكيل حكومة جديدة له. وهذا يعني عملياً منع انهياره وإتاحة الفرصة لأهله للاستمرار بحياة طبيعية.
فهل يوافق السياسيون اللبنانيون ام يتركون الهاوية تتهاوى على رؤوس البلد ما يعني تحطيم الكيان السياسي الذي تأسس عام 1948؟
الكثير من السياسيين اللبنانيين لا يأبهون لهذه المخاطر ولا يندمجون فيها إلا بحثاً عن مكاسب.
لذلك فإن الضغط الإقليمي والدولي مساهم أساسي ببناء حكومة جديدة للبنان.
هناك اذاً صراع جاد بين مبادرة سعودية أميركية واقتراح الكاردينال الراعي بالتدويل.. فلمن الغلبة؟
الراعي قابل للتراجع لأنه أساساً ينتمي سياسياً الى هذه القوى الرباعية، لكن النقطة الاساسية هي الدور الإيراني الذي يريد لحلفائه اللبنانيين دوراً يتناسب مع أحجامهم الأساسية. وهذا قد يعيد نقطة الحوار الداخلية الى المنطلق او يستند الى حوار إيراني – غربي غير مرئي يؤدي الى ولادة حكومة لبنان.