السعودية تعمل على حرب داخليّة في العراق؟
} د. وفيق إبراهيم
كلما ذهب العراق إلى شبه انتعاش داخلي تبحث السعودية عن مشروع حرب داخلية فيه، تضرب مناطقه بين بعضها بعضاً وتعدديته المذهبية والطائفية والعرقية فيما بينها أيضاً.
المطلوب سعودياً أن يبقى العراق ضعيفاً ومنكسراً تمنع انكساراته الداخلية من أدائه أي دور وطني سوري وإقليمي يتعلق بشبه جزيرة العرب.
وهذا الدور العراقي المنكسر هو ايضاً منشود للأميركيين الذين يحتلون العراق الى جانب إقليم كردستان الكردي الطامح الى استمرار انفصاله عن العاصمة بغداد السياسية، وكذلك بعض المجموعات في مناطق الوسط المرتبطة بالاخوان والاتجاهات الانفصالية.
هذه الفئات تتفق اليوم على دفع العراق نحو مزيد من التباينات لأنها لاحظت مسألتين: اتجاهاً عراقياً من مختلف الطوائف والأعراق نحو الانسجام في مشروع موحّد، شعوب دول جزيرة العرب بضعف شديد نتيجة لصحوة عراقيّة مرتقبة لم تعُد بعيدة وبسبب انتصار الحوثيين في حرب اليمن وتحسّن وضع الدولة السورية.
لذلك بدأت المخابرات السعوديّة خصوصاً والخليجية عموماً بالتحرك بين التنوّع العراقي بوسائل مذهبية عموماً وعرقية كردية خصوصاً وصولاً الى تحريك بعض قطاعات المسيحيين التي تفضل دائماً البقاء على الحياد أو الطرف الاقوى. وتنحاز في معظم الأوقات الى جانب الدولة، لأن أرض السواد بلاد قديمة لم يؤسسها الاحتلال الغربي كحال معظم بلدان الخليج لأن المتعارف عليه أن العراق، ومثله اليمن وعُمان هما من أقدم الدول في جزيرة العرب.
هذا ما دفع بالسعودية الى تحريك اتصالاتها بالإخوان المسلمين في وسط العراق وإرسال قوات عسكرية الى كردستان ترتدي ألبسة الجيش العراقيّ بالتعاون مع الأميركي، فهل ما يفعله آل سعود في العراق خاص بهم أم أنه بدفع أميركيّ؟
لمرة شبه وحيدة يتحرّك السعوديون منفردين بعقلية المذعور، لأنهم استشعروا بحركة عراقية غير مألوفة تقوم على تراجع العداءات الداخلية العراقية، وتعزيز ميل العراقيين الى الوحدة السياسية والانسجام.
هذا لا يعني أن ما يجري ليس بتشجيع اميركي، إنه التشجيع بعينه، لكن بطرق توحي وكأنه خارج عن سيطرتهم.
لماذا هذه الحركة غير العادية وفي ظل وجود احتلال أميركي وانفصال كردي وحركة إخوانية قوية في الوسط.
لأن الأميركيين يستشعرون بوهن دورهم الاحتلاليّ مقابل صحوة عراقية متزايدة الى جانب توسّع الدولة السورية نحو حدودها مع أرض السواد.
كما أن الأميركيين يعملون على تعزيز الانقسامات العراقية وإثارة الفتن الطائفية بواسطة الآليات السعودية – الإماراتية المفتوحة، ويرون أن الخليج قادر بإمكاناته الطائفية كأرض للحرمين الشريفين وأمواله على التلاعب بالعراقيين لمصلحة تعميق النفوذ الأميركي – هذا بالإضافة الى مصلحته في اثارة الخلافات بين العراقيين وذلك لإبقاء دولتهم ضعيفة لا تستطيع أداء أدوار قوية عند الحدود مع جزيرة العرب.
لذلك ما أن تنبه السعوديون الى عودة العراقيين الى بعضهم بعضاً حتى تسلّموا خطة من معلميهم الأميركيين وابتدأوا بالحراك الداخلي في العراق عبر قوة انفصاليّة في الجنوب والاخوان المسلمين.
لكن الدولة العراقيّة تنبهت الى التآمر المريب وباشرت بطروحات تؤكد فيها ابتعادها عن الفتن والتآمر لمصلحة عراق واحد.
هنا يرى البعض أن بإمكان هذه الدولة تقديم تنازلات أكثر عمقاً تربك انفصاليي كردستان والانقسامات في الجنوب، إلا أنها لم تفعل بعد وقد تنتظر فرصاً أكثر تتناسب مع هذه الإيقاعات.
الملاحظ مثلاً أن تحرك الأميركيين في صدامات مع بعض القوى العراقية يرفع صوت بعض قوى الدولة بضرورة انسحاب الأميركيين من العراق لأنهم قوة احتلال.
إلا أن هذه الأصوات تسكت في مراحل نشوب صدامات، فهل هذا طبيعي؟
طبعاً لا، فالأميركيون احتلوا العراق منذ 2002 وسمحوا للأكراد بالانفصال وتلاعبوا بالوسط ويهيمنون على سلطة بغداد بالتفرقة بين قواها وبالسيطرة العسكرية حيناً.
فلماذا لا يتحرّك العراقيون بعد 13 عاماً على الاحتلال الأميركي لبلادهم؟
إنها الهيمنة على حكومة بغداد والإمساك بإقليم كردستان وتسهيل مهام الاخوان في الوسط مع قوى عراقيّة تتحرك بواسطة الأكراد والسعودية والإمارات.
إن مجمل هذه الأسباب مجتمعة تدفع العراقيين الى استيعاب مجريات الأوضاع والعودة الى الاتحاد الداخلي لإجهاض المشروع الأميركي – الخليجي الحالي والمستمرّ.
ولان هذا الوضع العراقي من نتاج الحركة الأميركية – الخليجية، فإن الوضع الداخلي العراقي مرشح للمزيد من التضامن بين أبناء العراق ما يعني أن مشروع حروب داخليّة هي على وشك الاندلاع بين قسم من الدولة ومعظم المجموعات والانقسامات.
لكن السؤال المطروح هي متى تعلن الدولة العراقية الحرب على الاحتلال الأميركي او تعلنه احتلالاً موصوفاً من العراقيين. وهذا لا يتم إلا بإعلان تقارب بين المجموعات العراقية على قاعدة التساوي فيما بينها واعتبار الأميركيين أساس الانقسام العراقيّ والذي يغذيه بكل جوانب الفتنة.
فهل تستمرّ النقمة الحالية على الأميركيين؟
المطلوب اولاً وحدة عراقية داخليّة لا يمكن أن تقوم إلا على قاعدة التساوي بين مكوناتها. وهذا يؤدي تلقائياً الى تعاون عراقي في سبيل طرد الأميركيين من العراق.
إن هذا الأمر ممكن على أساس التساوي السياسي، فليس مقبولاً أن يبقى العراق ساحة لصراعات إقليميّة ودوليّة تستنزفه وتستنزف معه إيران، في حين أن هذا البلد الذي يشكل 38 مليون نسمة في منطقة فارغة من السكان، يستطيع أن يلعب دور الموجه القادر على طرد المحتلين وبناء بلد متقدّم يستعيد كردستان ويؤسس دولة بوسعها أداء أدوار في العالم العربي وليس في الجزيرة والعراق فقط.