إلى المحكمة الدولية: مَن حقّر مَن؟
باريس ـ نضال حمادة
لم يعد سهلاً أن تحمل الجنسية اللبنانية في زمن تسلط المحكمة الدولية لأجل لبنان فأنت مستباح في الخاص والعام وأنت متهم بلا حدود وبلا استئناف وبلا مواعيد.
هاتفك مراقب كلامك تحت المجهر رأيك مصادر وأنفاسك تحصيها محكمة هي نتاج مرحلة التسلط الأميركي التي تذهب تدريجياً بينما المحكمة تصارع البقاء لأن في لبنان من استسهل الهوان فحق أن يهان.
تستحضرني سنوات المحكمة وشهود الزور في الفيلم الباريسي الطويل الذي شاهدته منذ يوم 14 شباط 2005 ولا أنسى محمد زهير الصديق في باريس وضواحيها. الشاهد الملك الذي بناء على أقواله جرت المحكمة الدولية لبنان إلى مسلسل دموي بلغت ذروته في تموز 2006.
نسال المحكمة الدولية الموقرة أليست مشاهد مسرحية إقامة الشاهد الملك في باريس تحقيراً لكل اللبنانيين وأولهم من يبكون شهداء 14 شباط؟
هل احترمت المحكمة الشعب اللبناني عندما تركت لفرنسا جاك شيراك صديق الحريري الحميم أمر التصرف بالشاهد الملك وحمايته والوصاية عليه منذ أن استقبلته السلطات الفرنسية في فندق في مدينة مالاكوف حتى نقله إلى ضاحية شاتو في ظل غياب أي شفافية لأسباب هذا المسلسل البوليسي وفي ظل حماية رئيس دولة طرف وليست حكماً؟
ألم تحتقر المحكمة اللبنانيين في اعتمادها على شهادة زهير الصديق الذي أصبح في آخر أشهر إقامته الباريسية يبتز القيمين عليه بالاتصال بالصحافة كلما احتاج للمال؟
أوليس دخول الصديق إلى فرنسا وخروجه منها بجوازات سفر متعددة وبحماية دولية احتقاراً لكرامة اللبنانيين الذين أصبحوا أمنياً وسياسياً واقتصادياً رهائن تصريحات رجل محتال اعتمدته المحكمة شاهداً ملكاً؟
أوليس إعلان وزير خارجية فرنسا في عام 2007 أن الصديق غادر فرنسا رافضاً إعطاء أية معلومات احتقاراً للبنانيين بعدما أنهكتهم المحكمة بالصديق وشهادته؟
من حقر من؟
أوليس اعتماد المحكمة الدولية على الدعم الأميركي والفرنسي على كافة المستويات، وهاتان الدولتان شكلتا قبل عملية 14 شباط 2005 وبعدها رأس حربة في مشروع القضاء. على جزء كبير من الشعب اللبناني تحت شعار نزع سلاح حزب الله وبالتزامن فترة التحقيقات الأساس في كل ما تحمله جعبة المحكمة حالياً من زاد اتهامي ضد اللبنانيين احتقار للشعب اللبناني؟
ألم يتفق جورج بوش وجاك شيراك في خريف 2004 على العمل للقضاء على حزب الله في لبنان؟
ألم يقل شيراك لبوش في حفلة العشاء تلك: «إن إجبار الأسد على سحب جيشه من لبنان سوف يسقط الحكم في سورية»؟
ألم تتبنّ المحكمة الدولية المواقف الغربية باتهام فريق معين؟
وماذا عن اعتقال الضباط الأربعة سنوات عدة؟
ألم تحتقر المحكمة جميع اللبنانيين ودولتهم بهذا الاعتقال غير المبرر؟
هل يمكن للمحكمة الدولية أن تفسر لنا نحن اللبنانيين على أي أساس أوقفتم الضباط الأربعة؟ وعلى أي أساس أطلقتم سراحهم؟
سؤال جهدت مع بلمار للحصول على جواب شاف له ولم أستطع.
من يحتقر من؟
ونحن عرضة للتنصت والتجسس من قبل المحكمة والقيمين عليها حتى في غرف نومنا.
هناك في الغرب من يقول إن المحكمة أداة من أدوات التحكم بالشارع العربي في ظل ما يسمى الربيع العربي.
وإلا كيف يمكن للمحكمة أن تفسر لنا قرارها بالسيطرة على الإعلام اللبناني وكتم أنفاسه تزامناً مع الحملة الغربية على بعض الإعلام الغربي في قضية ادوارد سنودن ؟
بعض المقارنة تنفع لنرى كيف تعمل المحكمة وفق الأجندة الغربية تباعاً
في عملها لقمع الإعلام اللبناني، الذي يكاد يكون الوحيد الذي يمتلك هامشاً معقولاً من الحرية بين كل نظرائه في العالم العربي. تصدر المحكمة الدولية فتاوى تمنع على الإعلام اللبناني الحديث عن المحكمة أو نشر ما يسرب منها وما أكثره بفعل الرشاوى والخلافات الداخلية فيها، وتصدر بلاغات استدعاء للتحقيق مع صحافيين بتهم القدح والاحتقار وكأن المطلوب من الإعلاميين في لبنان كيل المديح والردح و شابوش للمحكمة والقيمين الغربيين عليها.
من يتابع عمل المحكمة يرى كيف أنها تطبق على اللبنانيين ما يحاول الأميركي أن يطبقه حالياً على الصحافيين الأميركيين. أنطوان لوفيبر في كتابه «كيف تتجسس الولايات المتحدة على العالم» يقول عن سياسة أميركا الجديدة ضد الصحافيين. بيتر كينغ أسلط السياسيين الأميركيين لساناً ضد وثائق ويكيليكس ووثائق سنودن يقول في حزيران عام 2013 على شاشة «سي أن أن»: «يجب محاكمة الصحافيين الذين يكشفون عن وثائق تعتبر سرية».
أليس هذا ما تطبقه المحكمة الدولية على الصحافة في لبنان؟
من يحتقر من؟
ربما نحن اللبنانيين احتقرنا أنفسنا بقبولنا وجود هذه المحكمة وآلياتها وأفرادها على أرضنا.
بل نحن نعرض أمننا وحياتنا للخطر ونحتقر ضمائرنا عندما نسمح لكل هؤلاء بعبور مطار بيروت والدخول إلى لبنان.
سامح الله من استقال .
كان السابع من أيار أنسب يومها.
كنا تجنبنا المحكمة.
فليطرد هؤلاء من لبنان.