إطلاق دراسة عن أطفال الشوارع في لبنان
رعى وزير العمل سجعان قزّي حفل إطلاق دراسة بعنوان «الأطفال المتواجدون والعاملون في الشوارع في لبنان: خصائص وحجم»، التي أعدّتها مؤسسة البحوث والاستشارات بالتعاون مع وزارة العمل ومنظمة العمل الدولية وصندوق الامم المتحدة للطفولة وجمعية «إنقاذ الطفل» الدولية، وذلك في فندق «روتانا ـ جفينور» في بيروت، بحضور سفراء فرنسا وبلجيكا وكندا، ودبلوماسيين وممثلين عن منظمات دولية و«يونيسف» وجمعيات أهلية.
قدّمت الحفل الاختصاصية حياة عسيران، مرحّبةً بالحضور، وشاكرةً كل من دعم الدراسة، وساهم في إعدادها وإصدارها. وتحدّثت عن الدراسة قائلةً إنها تلقي الضوء على محنة الأطفال العاملين في شوارع لبنان. وهي الأولى من نوعها في لبنان لتقييم حجم هذه الظاهرة المتزايدة بشكل واضح وخصائصها، والتي تشكّل واحدة من أسوأ أشكال عمل الأطفال.
وقالت: «بناءً على طلب وزارة العمل، تم تكليف الدراسة من قبل منظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة ـ يونيسف، ومنظمة إنقاذ الطفل الدولية، لفهم الأسباب وراء عيش و/أو عمل الأطفال في الشوارع، كالتسوّل والتجارة وتقديم الخدمات في الشارع، فضلاً عن أشكال من الأنشطة غير المشروعة وغيرها».
هاغمان
وبعد عرض فيديوات تضمّنت شهادات لأطفال يعملون في الشوارع، ورسوماً ابتدعوها بأنفسهم، متحدّثين عن معاناتهم وأحلامهم، كانت كلمة لنائب المدير الإقليمي لمنظمة العمل الدولية ـ مكتب الدول العربية فرانك هاغمان، أكد فيها أنّ الأهداف الأساسية للدراسة ترمي إلى تعزيز قدرات الدول لحلّ ظاهرة تسوّل أطفال الشوارع. مشيراً إلى أنّ هذه الآفة تفاقمت مع النزوح السوري إلى لبنان.
وقال: «بدعم من منظمة العمل الدولية لوزارة العمل والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية الأخرى، تم تحديد عمل الأطفال في الشوارع كأولوية للتدخل. وعلى رغم أنّ ما يقارب ثلاثة أرباع هؤلاء الأطفال يأتون من سورية، فإن انتشار الأطفال الذين يعيشون و/أو يعملون في الشوارع، يشكّلون تحدّياً على المدى الطويل في لبنان. إن نتائج هذه الدراسة الجديدة ستسمح لمنظمة العمل الدولية العمل بشكل أكثر فاعلية مع شركائها لإبعاد الأطفال عن الشوارع وتوفير مستقبل أفضل لهم».
وتابع: «تحدّد الدراسة أربعة عوامل رئيسة تؤدي إلى عيش أو عمل الأطفال في شوارع لبنان: الاستبعاد الاجتماعي، وهشاشة وضع الأسرة، وتدفق اللاجئين السوريين إلى لبنان، وأخيراً الجريمة المنظّمة واستغلال الأطفال».
ولفت هاغمان إلى أنّ الدراسة تكمّل المسح الوطني لعمل الأطفال، وهي مستندة إلى مسح قام به مركز الاستشارة بالتعاون مع منظمة العمل الدولية و«يونيسف»، وتحدّد أكثر من 1500 طفل في أكثر من 18 منطقة. مشدّداً على وجوب إعادة دمج الأطفال في نظام التعليم.
قزّي
وأكد وزير العمل سجعان قزي أنّ حلّ مشكلة أطفال الشوارع مسؤولية جماعية تتحمّلها مجموعة وزارات مع الأجهزة الأمنية المختصة وجمعيات المجتمع الاهلي.
وإذ أيّد وضع دراسات لتكون مرجعية في هذا الشأن، لفت قزّي إلى أنّ الأموال التي تخصّص لهذه الغاية يجب أن يُخصّص القسم الاكبر منها لإنشاء مؤسسات اجتماعية تعنى بالطفولة أيضاً.
ورأى قزّي في كلمته أنّ التطرف الديني ليس وحده ما يولّد الإرهاب، إنما التعاسة والمأساة والحقد على المجتمع، كلّ ذلك يولّد المشاعر السلبية لدى الطفل لتتحوّل لاحقاً إلى جنوح فكري وعقائدي يترجم أحياناً إلى أعمال إرهابية. مشدّداً على أنّ مكافحة الإرهاب تبدأ باحتضان الطفولة.
وقال: «إذا كان ليس باستطاعتنا جميعاً أن نقضي حياتنا للعمل الانساني ومكافحة الفقر مثلما فعلت الأم تيريزا والاخت إيمانويال، فليخصص كل إنسان يوماً في حياته كالأم تيريزا، فلا يعود هناك من شقاء وتعاسة لدى الأطفال».
وأضاف: «في لقاء من هذا النوع، تظهر السياسة تافهة وحقيرة، فكما هناك أطفال يتسوّلون في الشوارع، هناك بعض السياسيين يتسوّلون على أبواب السفارات والأنظمة، وعندما لا يعود عندنا سياسيون يتسوّلون على أبواب بعض السفارات، تصبح لدينا دولة لا أطفال متسوّلين فيها».
وأكّد قزّي وقوف وزارة العمل إلى جانب كل من يسعى من المنظمات الدولية لمعالجة هذه الظاهرة. لافتاً إلى أنّ هناك لجنة وزارية برئاسته لمناقشة مشروعَي قانون، الأول لوقف الاتجار بالبشر، والثاني لمكافحة أسوأ أشكال عمل الأطفال.
وكشف أنّ الدراسة التي أعِدّت بيّنت أنّ هناك نحو 1500 طفل مشرّد على الطرقات، ومن أصلهم 73 في المئة من النازحين السوريين، و27 في المئة من اللبنانيين. ومن بين هؤلاء 43 في المئة يتسوّلون في الشارع، و37 في المئة منهم يعملون في أعمال «حقيرة». داعياً إلى ترجمة الأعمال إلى أفعال على الأرض، بحيث يتم التفتيش عن طريقة أخرى غير الدراسات من أجل العمل على تخفيض عدد الأطفال المتسوّلين. كما ألأألأأشار إلى أنه كان قد اقترح إنشاء مؤسسة مختصّة لاستقبال الأطفال المشرّدين في الشوارع ووضعهم في هذه المؤسسة وعرضهم على طبيب نفسي ومساعدة اجتماعية، متمنياً بناء هذه المؤسسة لنلتقي مرّة أخرى ويكون عدد أطفال الشوارع قد انخفض.
لوران
وتحدثت آنا ماريا لوران بِاسم «يونيسف»، فرأت أنّ الأطفال في الشوارع هم الأكثر استغلالاً، ويعملون بنسبة خطرة، ويفتقدون للحماية والتوجيه.
وقالت: «يتعرّض الأطفال في الشوارع لجميع أشكال الاستغلال والإيذاء في حياتهم اليومية، فضلاً عن المخاطر المهنية. وإنّ أولوية يونيسف خلق بيئة توفّر الحماية، إذ تُخفف القوانين والخدمات والممارسات من تعرّض الأطفال للخطر. وتلتزم يونيسف بالعمل مع الجهات الفاعلة الرئيسية والحكومية في معالجة القضية».
وتابعت: «أُجريت مقابلات مع 700 طفل في الشوارع من مجمل ما يقارب 1510 أطفال في عيّنة الدراسة التي تغطي 18 قضاء. وعُثر على الغالبية العظمى من الأطفال الذين يعيشون و/أو يعملون في الشوارع في المدن، لا سيما في بيروت وطرابلس. فقد أظهرت الدراسة أن ثلثي الأطفال في الشوارع في لبنان هم من الفتيان، تتراوح أعمار أكثر من نصفهم بين 10 و14 سنة.
وعلى رغم أنّ الأرقام موجودة على نطاق من الممكن التحكم به، إن المسألة تُعتبر معقدة للغاية، نظراً إلى ارتباطها بقضايا الاتجار بالبشر والأنشطة غير المشروعة الأخرى، فضلاً عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي والقانوني للأطفال المتضرّرين».
رودجرز
وألقى ممثّل منظمة «إنقاذ الطفل الدولية» في لبنان إيان رودجرز كلمة جاء فيها: «إن انتشار الأطفال الذين يعيشون أو يعملون في الشوارع، قضية طويلة الأمد وتشكل تحدّياً مستمراً مرتبطاً بقضايا اجتماعية واقتصادية أكبر في لبنان». وأضاف: «نحن ملتزمون باتفاقية حقوق الطفل، خصوصاً حق الأطفال في التعليم والحماية من العمل الضار. وستستمر منظمتنا بالعمل مع الحكومة والمجتمع المدني لعدم ترك الأطفال في الشوارع».
ولفت رودجرز إلى أن وزارة العمل في لبنان سعت بجهد لمواجهة مشكلة تسوّل الأطفال، وهي خطت خطوات جيدة في هذا المجال، غير أنّ الأزمة السورية ألقت بثقلها على الوضع الهشّ أصلاً في لبنان. لافتاً إلى أنّ أكثرية أطفال الشوارع هم بين 10 و14 سنة، ويعملون بمعدل عشر ساعات في اليوم.