أنيس جرجي كنعان إعلاميّاً ومربّياً وشاعراً قوميّاً

لبيب ناصيف

قرأت في باب الوفيات في عدد الأول من شباط الجاري في صحيفة «الديار» نبأ وفاة الرفيق أنيس جرجي كنعان. وكنت عرفت الرفيق المذكور منذ مطلع ستينات القرن الفائت ناشطاً في منفذية المتن الشمالي، متولياً مسؤوليات حزبية منها نظارة الإذاعة. ومثله عرفت العديد من الرفقاء، بينهم الامين منذر المنذر وعقيلته الرفيقة إكرام، والرفقاء ضاهر المنذر، رشيد أبو فاضل، ألكسي الاشقر، وفي بلدة بعبدات المجاورة الرفقاء نديم صالح، جوزف شكر، فضل الله صوايا وآخرون.

عرفته أديباً وشاعراً ومربياً وحدثني عنه الرفيق جورج كرم الذي يعرفه في بلدته برمانا، والأمين جورج رياشي الذي يعرفه جيداً كونه من أبناء بلدته الخنشارة، وكلاهما تكلّم إيجاباً عن سيرته وعن التزامه في الحزب.

تسلّمت سابقاً من الرفيق أنيس كتابيه، وكنت واعداً نفسي بزيارته مثل المئات من الرفقاء المنتشرين في مدن لبنان وبلداته وفاجأني رحيله، فخسرت فرصة لقائه بعد سنين طوال، وخسر تاريخ حزبنا معلومات كان مفيداً أن تسجل، خاصة لجهة العمل الحزبي في منطقة المتن الشمالي.

عن غلاف ديوانه «عابرُ الألفين» هذه المعلومات:

والدته: إيفون سماحة.

مواليد: الخنشارة 1933.

الدروس الابتدائية في اليسوعية، التكميلية في المدرسة البطريركية بيروت، وشهادة معهد الصحافة.

في القاهرة بالمراسلة 1961.

مدرّس في «المعهد اللبناني» بيت شباب 1954 وفي «المدرسة البطريركية» بيروت 1955.

محرّر في الصحافة بين عامي 1961 و1975 في مجلّة «الاسبوع العربي» وجريدة «النهار» وجريدة «الجريدة» وله مقالات موزّعة في الصحف البيروتية.

رئيس تحرير «وكالة أنباء بيروت» 1974 1975.

صاحب وكالة سياحة وعلاقات عامة منذ عام 1977 في برمانا.

عن الرفيق أنيس كنعان، كتب الرفيق جورج كرم:

«عشرون عاماً من القمع الفاشي الانعزالي لم تثن الرفيق أنيس كنعان عن البرّ بقسمه وفاءً لقضية تساوي وجوده. كان شامخاً في تفانيه للعقيدة السورية القومية الاجتماعية وهو الذي رافق الحزب السوري القومي الاجتماعي في أوجّ عزه ونشاطه في برمانا يوم كانت مديرية برمانا تضم الرفيق الواحد بعد المئة، ونشط مع الرفيق يوسف تاج المنذر، من الرعيل الحزبي الأول، والرفيق ألكسي الأشقر، صاحب جريدة «صوت برمانا» الذي أسهم الرفيق أنيس في تعزيز محتواها الثقافي القومي.

كان مربياً معطاء مستمراً في رسالته رغم أيام الكهولة التي أبقته معظم أوقاته في المنزل. لم يتوان لحظة عن مد يد المساعدة لمفوضية برمانا في الأعوام القليلة المنصرمة، وكان يشرف على سلامة اللغة العربية في الكلمات التي تلقى في المناسبات الحزبية والاجتماعية ويعتزّ بكل عمل تقيمه المفوضية ويختتم نصائحه لي قائلاً: « لم أعد أخشى على مصير النهضة في هذا المتحد ما دمتم بهذا النشاط».

«توقف الرفيق أنيس عن العمل الحزبي، في متحد طائفي حاقد، خلال سنوات الحرب المجنونة، لكن حضوره القومي الاجتماعي كان واضحاً جلياً لدى جميع الأهالي».

– أصدر الرفيق أنيس الدواوين الثلاثة:

غداً كنّا ثلاثية شعرية 1986.

عابر الألفين شعر 1994.

مرايا غزالة شعر 2006.

في ديوانه «مرايا غزالة» نشر الرفيق أنيس كنعان مقتطفات مما جادت به أقلام أهل الأدب حول شعره ننقل بعضها للتعريف على أدب وشاعرية الرفيق المذكور.

الأمين بشير عبيد:

«خلتُ أن قصائد أنيس كنعان قُصّت من قلبه وسَحَبت منه شرايين ألغازه وأسالت لفائف أسراره كما يسيل الماء من الينبوع، وأطيب الطيّبات طرف المرارة اللاذع من كل غبّة حلاوة كأنها الخمرة المرّة المعتّقة لا تدري لذّتها في حلاوتها أم في مرارتها….

مَن هذا الذي جاء يذكّرنا بفؤاد سليمان وأمثاله، بحكايات التمزّق وأساطير الحب ؟…

هو الاديب بلحمه ودمه حتى أطراف أظافره… أديب ذو نفس كبيرة يضرب في بحار حياتنا بمجذاف من البراعة والصدق، وآخر من الكبر والمرارة، في شراع أسطوريّ من الحب والعبادة».

الرفيق د. ربيعة أبي فاضل:

«قال ذات يوم الشيخ عبدالله البستاني لتلميذه أمين نخلة: « عليكم بالشاعر الذي يحفر صدره بأصابعه، ويطرق منازل للفكر، وعوالم للخواطر، ومواجيد للنفس، لا علم لكم بوجودها، وهناك حثّوا الخطى، وادخلوا الآفاق المترامية. أما هؤلاء، جماعة الأدب السهل، فإن تحت كل حجر واحداً منهم ! ولا تغرّنكم السهولة، بل يمّموا ناحية الأدب العميق، ذي المسائل والأغراض البعيدة «…

خطرت ببالي هذه الفكرة عندما طالعت قصائد أنيس كنعان وفيها طرقٌ لمنازل الفكر، وسفر في الرموز الدينية، واستحضار لماضٍ، واستشراف ومعاناة، بلغة تلبس الموسيقى، تطبعها الحدّة والحرارة، لم تغرها تجربة السهولة دائماً لأن بعض هاجسها نقلنا الى عالم نوراني، على أنقاض عالم شُوِّه الخلق فيه، والروح تناديه ليخلع إنسانه العتيق ويلبس الجديد.

أنيس كنعان شاعر وجودي في المعنى العميق. استمدّ من الاسطورة وهجها، ومن الدين بهاءه، ومن خيوط الملحمة نسيجاً يعدُ… فنجدنا أمام مطوّلات، كما سمّاها أنطون كرم، وأمام ملاحم قصيرة، كما شاءها سليمان البستاني، أو أمام بناء نُسمّيه الشاهقات.

انت مع أنيس كنعان تعبر ذاتك وذاته، فهو ليس من شعراء الضوء والبساطة ! والزهر والغبطة الدائمة، بل هو من الشعراء المقضيّ عليهم بالقيود الدائمة على قمة قوقازهم، تنهش النسور أكبادهم، ويؤلمهم أنهم يعانون ولم تفرح البشرية بعد بنار سرقوها لها، كي تكون سعيدة، كي تتخطى ذاتها..

فالرجل متمرد بالكلمة، غضبه بنّاء، ثائر كحراس الخير على أبواب الجنّة، يرغب في تحويل نار هذه الأرض الى نور … في قصائد مكتنزة، موجزة، محرورة….

بصورة موحية قال كنعان ما يقوله المؤرخون بألوف الكلمات !…

ونجد في ديوانه لفظات تذكرنا بخليل حاوي ولغته النارية. كيف لا وهما شاهدان معاً على اغتيال الإنسان وهزيمة الحضارة، وتغرّب الأمة؟.

في شعر أنيس كنعان بُعدٌ صوفيٌ أحببته، ونفسٌ ملحميٌ طويل، ورؤية وسيعة، وأنسانيةٌ غنيّة… فالشاعر تخطى التجربة الذاتية ليعبر عن تجاربنا جميعاً، وأشاح عن الغزل المتعثر ليستثمر الرموز الدينية والكونية الخصبة».

الشاعر محمد علي شمس الدين:

«قصيدة أنيس كنعان من «قصائد الفكرة» أي من الشعر الذي يبني عالمه وعلاقاته وهويته على «المعنى»… حيث ينسج الشاعر حول «نواة القصيدة» اللغة والصورة والايماءات، فضلاً عن الحكمة والمثل.

لا شك في أن أنيس كنعان متمرّس بأصولية الشعر العربيّ، فضلاً عن تمرّسه بفقه اللغة العربية وأصولها ايضاً… وهذه السمة هي سمة جيدة لشاعر يرغب في التطوير والحداثة … ومعرفة أنيس كنعان بالأصول تظهر واضحة في حسن استعماله للنواة النغمية للوزن التفعيلة وعدم خروجه عليها من جهة، ولضبط ثنائيّات القوافي ضبطاً جيداً وغير مفتعل، ممّا يعطي قصيدته انسياباً إيقاعيّاً رائعاً للأذن، والعين أيضاً… وهذا الشرط في امتلاك الاصول لا غنى عنه، كما أشرنا، للتجديد والتغيير… والحقيقة أن هذه المتانة الأصولية العروضيّة من جهة، واللغويّة والنحويّة من جهة ثانية، تمنح الشاعر عدة حسنة لكتابة القصيدة.

قصيدة أنيس كنعان حسنة الإيقاع والصيغة والفكرة … وليت شعراء ذوي أسماء معروفة وطنّانة لديهم هذه الاصولية المتطورة».

الدكتور كمال اليازجي:

«أنيس كنعان يرسل خواطره في شعر جديد وافر الحظّ من الإحساس المرهف، والخيال المبدع، والفكر النيّر، والأداء الرشيق، وهذا مما يشهد له بحقّ أنه أديب موهوب.

أنيس كنعان شاعر مجدّد فارق أوزان الخليل، لكنه احتفظ بضرب عذب من الإيقاع، وعدل عن وحدة الرويّ الى تنويعه مع مراعاة تناغمه. لقد اختار بسليقته المرهفة سبيل كبار المجددين في الشعر الحديث ممن حرصوا على الأصول وتفننوا في الفروع، فجاء شعره جيّد الإيقاع، ساحر النغم، يستسيغه أنصار القديم، ويتقبّله غلاوة التجديد.

هذا وإن كان الشعر لا يقوم أصلاً بالعنصر الموسيقيّ وحده، بل يعتمد كذلك الفكرة النيّرة، والعاطفة الجيّاشة، والخيال المبدع، والصورة الرائعة، والتلميح البارع، والأداء اللبق… وعليها اعتمد الشاعر المجدد في التعويض عن وحدة الوزن في القطعة الشعرية ووتيرة القافية.. فإن شعر أنيس كنعان وافر الحظ من هذه الأصول الى جانب ما استنقذه من مقوّمات الشعر القديم من اتّساق المقاطع وتناغم الرويّ…».

رئيس لجنة تاريخ الحزب

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى