هل يصنع الفقر ثورة؟
يتفاءل الناشطون الصادقون بسعيهم للتغيير رغم محدوديّتهم في صفوف الجماعات التي تصدّرت الحراك على شاشات التلفزيون المموّلة من الخارج، بأن تنقية مسار الحراك سيتحقق لصالح دعاة التغيير المخلصين في موجة ثانية يرونها مقبلة لا محالة في ظل تسارع مفاعيل الأزمة الاقتصادية والمالية وما سينتج عنها من مزيد من إفقار الناس ودفعهم للنزول الى الشارع.
– الذي لا ينتبه له هؤلاء هو أن كل مرحلة تبلغ الأزمة مرحلة تصاعدية تقوم الأحزاب المنظمة التي تريد توظيف الغضب الشعبيّ لفرض شعاراتها من جهة، وإدخال الشارع في الضغط لصالح مصالح ومطالب سياسية تتصل بلعبة التقاسم والمحاصصة، وتجعل الشارع مجرد وسيلة لخدمة مصالحها، وهذه الأحزاب تملك هيكليّات وقدرة تحشيد تتيح لها السيطرة في ساحات نفوذها الجغرافيّ والطائفيّ، بحيث تضيع الجماعات النظيفة من النشطاء الصادقين أو تقمع.
– الذي لا ينتبه له هؤلاء أيضاً أن جماعات النشطاء المرتبطة بمشاريع خارجيّة والتي تملك مقدرات مالية وإعلامية وفرص الظهور والحضور، سرعان ما تتحول الى واجهة تتصدّر التحرّكات التي يفرضها الفقر ويؤدي اليها، ويجد الناشطون الصادقون ودعاة التغيير أنهم أقلية محاصرة وصوتها ممنوع من الوصول الى حيث يجب أن يصل.
– الأهم هو أن الفقر والانهيار الاقتصادي والاجتماعي، يؤدي الى تراجع دور الدولة ومؤسساتها، وضرب فكرة الدولة في نظرة الناس لهويتهم لصالح صعود هوياتهم الطائفية وتجذرها، ولذلك نجد أن الشارع الذي بدا واحداً سرعان ما تحوّل شوارع متقابلة رغم العناوين التي تجمع هذه الشوارع في المقدمات، فإنها تفرقها في النتائج، وكلما اقتربنا من الانهيار وثورة الغضب فيصيرا ثورات تحمل كل منها شعاراتها الطائفية وزعاماتها الطائفية وليس شعارات التغيير الديمقراطي خارج العلب الطائفية.
– الذين يلعبون بالملفات المالية والاقتصادية يعرفون جيداً المسارات التي يريدون تخديمها عبر الانهيار، ليس في لبنان فقط، بل في المنطقة، لدفع بلدان المنطقة المتفجّرة نحو مشاريع التقسيم والإدارة الذاتية، وإبعادها عن أي تغيير جدي يخدم مصالحها، والذين يتهمهم دعاة التغيير في لبنان بالفساد والطائفية، سيصبحون زعماء المرحلة الجديدة منفردين، بعدما كانوا زعماء مرحلة ما قبل الانهيار مجتمعين.