عقوبات أميركيّة على رياض سلامة ولماذا؟
ناصر قنديل
– الأكيد أن وكالة بلومبيرغ التي نقلت خبر احتمال فرض عقوبات أميركية على حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، هي وكالة أخبار وتقارير اقتصادية متخصصة تتسم بالجدية والدقة والتحفظ، وليست وكالة أخبار صفراء تتعيش على اللغة الفضائحيّة التي تستند كثيراً على الشائعات، وربما الفبركات، وبلومبيرغ أوردت الخبر بالاستناد إلى مصادر موثوقة تحدثت عن مناقشة أميركية أوروبية لفرضية إنزال العقوبات بسلامة على خلفيات مسؤوليته عن النظام النقدي والمصرفي في لبنان، وما ورد من تقارير سويسرية حول استغلال سلامة لسلطاته لخدمة مصالح شخصية له ولمقرّبين منه، بصورة تجعله شريكاً في تقاسم المصالح الشخصية مع نافذين حكوميين ومصرفيين على حساب المال العام، الذي تقول التقارير نفسها، إنها استنزفت الاقتصاد وأوصلته إلى الإفلاس.
– يتساءل كثيرون عن مدى إمكانية ذهاب الإدارة الأميركية إلى فرض عقوبات على سلامة، بعدما امتلأت الأخبار خلال سنة مضت بالمعلومات عن اعتبار سلامة خطاً أحمر، كما تبلغ مسؤولون لبنانيون من السفيرة الأميركية عندما طرح موضوع استبدال سلامة من موقعه في مصرف لبنان، وخلال سنوات مضت كان يجري التعامل مع سلامة بصفته القارئ الأفضل لحدود المسموح والممنوع أميركياً، من خلال تطبيقه للعقوبات الأميركية التي طالت المصارف والمودعين، خصوصاً ما يتصل بالتنسيق الدؤوب والحثيث مع الدوائر الأميركية التي تتابع العقوبات الأميركية على حزب الله، والتي كان التزام سلامة بملاحقتها وتطبيقها، أحد أسباب منحه خلال هذه السنوات ألقابا ودروع تكريم، وجوائز عالمية، وتسميته أفضل حكام المصارف المركزية عالمياً.
– البعض يفترض أن القضية المثارة اليوم هي مجرد تعبير عن نهاية الحاجة لمن يخدم المصالح الأميركيّة، إذا صحت التقارير، لكن الحقيقة تبدو أشد عمقاً، فالسياسة الأميركيّة الجديدة التي رسمها الرئيس الجديد جو بايدن، تقوم على معادلة خوض المواجهة مع الخصمين الاستراتيجيين في العالم، روسيا والصين، وفقاً لقواعد جديدة ركيزتها استرداد واشنطن لقدر من المصداقية في قضايا حقوق الإنسان ومكافحة الفساد، لجعلها أدوات قانونية لملاحقة المسؤولين السياسيين والماليين ورجال الأعمال في روسيا والصين، إضافة لرهان واشنطن على ما توفره العودة الأميركية إلى اتفاقية المناخ التي تضع شروطاً قاسية على المنشآت الصناعية في مراعاة قواعد البيئة النظيفة، لتشكيل عامل ضغط على أكلاف الإنتاج ونسب النمو في الصين بصورة خاصة.
– يقول بايدن إن واشنطن لم يعد ممكناً لها الرهان على الاستثمار في مثال القوة، أي استخدام عضلاتها باعتبارها الدولة الأقوى في العالم، فالاختبارات التي شهدها العالم خلال عقدين تقول بفشل هذا الرهان ومحدودية آثاره وارتفاع كلفته، ويدعو بايدن لما يسمّيه استرداد مكانة واشنطن وزعامتها بقوة المثال، وما يستدعيه من ظهورها بمظهر الأشد تطبيقاً للمعايير القانونيّة، خصوصاً في المجالات الثلاثة، الفساد وحقوق الإنسان وحماية البيئة، ويعتبر صناع السياسة الخارجية الأميركية أن هناك أعباء ثقيلة على كتف واشنطن يتسبب بها حلفاء واشنطن، خصوصاً في الشرق الأوسط، ولذلك سيكون صعباً، وربما مستحيلاً، إظهار قوة المثال الأميركي قبل الترسمل بالتخلّص من هذه الأعباء.
– ما يجري بين واشنطن والسعودية، سواء من بوابة حرب اليمن أو قتل الصحافي جمال خاشقجي، تشكل عينة عن السياسة الأميركية الجديدة، ولذلك يخطئ بعض الذين يعتقدون أن ما يجري هو مجرد مسرحيّة، فالتضحية بحلفاء من هذا المستوى يُعتبر ثمناً مقبولاً بالقياس لتحقيق هدف بحجم ملاحقة الرئيس فلاديمير بوتين في قضية المعارض الكسي نافالني، وملاحقة حاكم المصرف المركزيّ في لبنان ثمن مقبول لامتلاك الشرعية في ملاحقة حكام مصارف موسكو وبكين، وربما نشهد أسماء أخرى على لوائح العقوبات ممن كنا نعتقد أنهم خطوط أميركية حمراء، والأميركي يجمع بعقله المخابراتي ملفات الارتكابات لحلفائه بمثل ما يفعل بحق خصومه، لأن وقت استخدامها قد يحين، وها هون قد حان.
– وحدها تصرّفات كيان الاحتلال ستبقى الامتحان الذي تسقط أمامه المصداقية الأميركية المزعومة، ويكفي الموقف الأميركي العدائي من المحكمة الجنائية الدولية التي قرّرت النظر في جرائم جيش الاحتلال، للتحقق من أن واشنطن لا تحترم سلم قيم ومبادئ بل تسعى لتخديم مصالح، وفي لعبة المصالح يبدو أن أوراقاً كثيرة تتحرك.