«الومض» في الأدب العربيّ القديم
} عبد المجيد زراقط
يجد الباحث، في الأدب العربي القديم، نصوصاً تتَّصف بالومض، بمعنى اللَّمع المضيء الكاشف الدَّال…، كالأمثال، فصحى وعاميّة، ويمكن أن نقدِّم النماذج الاَتية من الأمثال، على سبيل المثال:
«أخوك من واساك بنَشَب؛ لا من واساك بنسب»، «تتهافت على السراج؛ فتهلك»، « فرغت جيوبه؛ سطعت عيوبه»، «ألقَمْته عسلاً؛ عضَّ إصبعي»…
يمكن للباحث أن يجد، في ثنايا نماذج من الشعر والنثر، ومضات، مثل: «ضحك المشيب برأسه؛ فبكى»، من قصيدة مشهورة لدعبل الخزاعي…
أمَّا النوع الأدبي التراثي الذي يتصف بالومض فهو «التوقيعات الأدبية». و»التوقيعات» جمع «توقيع»، وهو «تفعيل» من «وقع»، و»وقع» تعني «سقط «، و»وقًّع» تعني «فعَّل» هذا الأمر، أي أحدثه وأوجبه، و»التوقيع»، في الكتاب، إسقاط / إلحاق شيء ٍ فيه، بعد الفراغ من كتابته، يؤكِّده ويوجبه.
و»التوقيع»، اصطلاحاً، هو «عبارة بليغة موجزة مقنعة، يكتبها الخليفة، أو الوزير، أو ولي الأمر، يردُّ بها على ما يرد اليه من رسائل، تتضمَّن قضية أو مسألة أو شكوى أو طلباً…».
من نماذج التوقيعات نذكر، على سبيل المثال:
«أدارك بالبصرة أم البصرة بدارك!؟»، وهذا توقيع الخليفة على طلب أحد رجاله المقرّبين أن يعينه باثني عشر ألف جذع شجرة نخيل، ليبني داراً له في البصرة.
«أنبتتهم الطَّاعة؛ وحصدتهم المعصية»، وهذا توقيع الخليفة هارون الرشيد على قضية نكبة البرامكة.
«قد كثُر شاكوك، وقلَّ شاكروك؛ فإما اعتدلت، وإما اعتزلت»، وهذا توقيع الخليفة المأمون على رسالة لوالٍ من ولاته كثر الشاكون منه.
تتصف هذه النماذج، كما هو واضح، بقصر الجملة، وبساطة تركيبها، وبالإيجاز والتكثيف، والتوازن، و توافرالمحسنات البديعية: السجع، الجناس، الطباق، المقابلة، والتركيز، والوضوح والإيحاء في الوقت نفسه، والتصوير..
ثم، وفي مسار طويل، غلبت الصنعة المتكلَّفة على هذا النوع الأدبي، فأفقدته جماليّته الأدبية، فأفل نجمه.
وهذا ما يحدث لأيِّ نوعٍ أدبي يصدر عن القواعد المقرّرة مسبقاً، ويُخشى أن يحدث هذا للومضة، بمختلف أنواعها. وقد كتبت ومضتين قصصيتين أهديتهما لمن أكثر من وضع قواعد كتابة الومضة، وهما: « قنَّن الكتابة، هجرها الإبداع». «وضع قيوداً للأجنحة؛ رفرفت وعادت الى سمائها».
ويمكن القول: بغية ألاَّ يهجر الإبداع الكتابة، ينبغي أن تملي التجربة الحياتية نصوصها، فتنبت ريش أجنحة الإبداع، وتحلق. والكتابة الصادرة عن هذه التجربة تتجاوز السائد دائماً، ولا تتقيَّد بالقواعد الموضوعة سلفًا، وتؤتي الجديد، في كل حين، ومنها يستقي النقد مفاهيمه، ويضع لها مصطلحاتها.