اتجاهات «رسميّة» لإفشال التحرّك الشعبيّ بأشكال متنوّعة
} د.وفيق إبراهيم
هل ممكن أن تعمُد قوى السلطة لإفشال التحرّك الشعبي؟ هذه الوجهة طبيعيّة، لأن إفشال التحرك يعني الإبقاء على النظام الحالي. وهذا ما تريده القوى السياسية في البلد من مختلف النحل والملل. لذلك يتحوّل السؤال مباشرة حول ما إذا كانت قادرة على ضرب التحرك وكيف ومتى؟
لا بدّ في المنطلق من تأكيد أن الحراك وقوى السلطة ينتميان الى المجموعة الطائفيّة نفسها، لكن هذا الحراك لم ينتشر على جغرافيا الطوائف اللبنانية، بالقدر نفسه، فهو ليس قوياً في جنوب لبنان والبقاع وعكار وبعض جبل لبنان ويتمتع بشيء من القوة في حواضر المدن وملحقاتها.
ولم يتمكّن من التمدّد حتى الآن لأسباب تتعلق بقوة الأحزاب الطائفية السياسية وملحقاتها.
ثانياً تختلف ارتباطات الناس بالأحزاب على مستوى المتانة والتبعيّة، فهناك ارتباطات ضعيفة وأخرى متينة جداً. ثالثاً هناك تمايزات كبيرة في مستوى الدخل بين مناطق لبنان وبعضها مستفيد من الدولة بشكل لا يقبل فقط بأية إساءة إليها، في ما يعلن قسم آخر الثورة ضدها لاختلال في مداخيله.
رابعاً هناك فئة من اللبنانيين ترتبط بأحزاب على مستوى الرواتب والمصالح والانتفاعات وهي مجموعة وازنة تشكّل قسماً كبيراً، منها وتعتبر نفسها في مقدّمة المحاربين من أجلها.
خامساً هناك دور إقليمي كبير مع مجموعات لبنانيّة تتحرك بطلب منها، وهذه لا تندرج قط في إطار أحزاب لبنان، لكنها من القوة بحيث انها تشكل جزءاً كبيراً من الحركة السياسية في بلاد الأرز.
ضمن هذه المعطيات الطائفية والمدنية يتحرّك اللبنانيّون وسط صعوبات داخلية وخارجية تجعل من تحرّكهم مادة صعبة تحتاج الى سهر الليالي وسياسات التدبّر لإنجاحها.
فهل سبق للبنان أن نظم تحركاً ناجحاً منذ تشكله في 1998؟ كانت تحركاته تخلط بين السياسة والتحرك الاجتماعي، لكنها لم تنجح في الاثنين. ماذا في لبنان اليوم؟
هناك اذاً حراك يجسّد طموحات نحو 40 % من اللبنانيين ضربهم الجوع والحرمان والفقر نتيجة لنظام طائفي أفقرهم، مستفيداً من دعم علاقاتهم بنظامه الطائفيّ وابتعاد القوى المناطقيّة عنهم.
هؤلاء الأربعون في المئة هم الذين ملأوا الشوارع أو يحاولون جذب اللبنانيين إليها بوسائل تقليديّة تتحدّث عن رواتب مرتفعة وتحسين أوضاع الطبقات الفقيرة.
إلا أن هؤلاء يصطدمون بقوى الدولة اللبنانيّة من جهة والقوى الإقليمية العاملة في لبنان من جهة ثانية وقوى الطوائف من جهة ثالثة.
ما يعطي فكرة أولية عن مدى الصعوبات التي تجابهه.
وهذا ما نراه حالياً في شوارع لبنان، حيث نشهد قلة من اللبنانيّين تحاول قطع الطرقات وإحراق الدواليب ويحاول الإعلام تصويرها وكأنها قوى كبيرة حارقة لكن العين الثاقبة تتأكد أن ما يجري هو ان مجموعات صغيرة تعمل ما بوسعها للتأثير على الجمهور الأكبر من اللبنانيّين وجذبه الى الشارع.
هل ينجح هذا الجمهور بجذب اللبنانيين؟
عدوته الأولى هي الطائفية التي تكمن للتحرك. وهذه هي قوى لبنانية سهلة الجذب والاستعمال من قبل الداخل المشابه لها والخارج المتعلق بها، يكفي أن إيران مثلاً هي قوة لبنانية هامة بالتماثل الطائفي مع مناطق لبنانية.
كذلك فرنسا التي ترتبط بالموارنة منذ القرن التاسع عشر على أسس طائفية من دون نسيان ما بين السنة والشيعة.
هذه من المعوّقات الكبرى التي تحول دون نجاح أي تحرّك لبناني فعلي إلا إذا وقفت هذه القوى على الحياد أو وجدت في اندلاعه مصلحة لها.
هذه هي المصاعب التي تواجه التحرّك اللبناني وتجعله ضعيفاً وهزيلاً يحتاج الى التأييد الخارجي والداخلي والطوائفي حتى يصيب نجاحاً.
ماذا عن مستقبل هذا التحرك الحالي؟
حتى الآن يأخذ شكل أعمال شغب صغيرة ينأى الجيش اللبناني بنفسه عنها، كي لا يعطيها فرصة النمو والازدياد، لكنها حتى الآن لا تشكل قوة تمتلك تأثيراً على النظام الطائفي أي ليس بإمكانها فرض تحسينات على أوضاع المواطنين وصغار الكسبة والفقراء عموماً.
التحرّك الى أين؟
حتى الآن لا يبدو أن لهذا التحرك واقعاً قوياً، لكنه قد يكون تحرّك يمنح حركة اجتماعيّة قويّة مفاعيل تستطيع بموجبه الوقوف في وجه هذا النظام السياسي وإرغامه على الانفتاح الكثير على ذوي الإمكانات الضعيفة.
فهل هذا يعني أن مبادرات سعد الحريري والعماد عون وانكفاءات جنبلاط وحركات الرئيس نبيه بري كلها مجرد محاولات لإلغاء الحراك الحالي؟
نعم، لأنهم يخشون تطوّره الى تحرّك فعلي يطيح بهذا النظام السياسي الذي ينتمون اليه الآن وليس غداً؛ في حين أن الأمور الفعلية لا تزال ترجح سقوط النظام السياسي اللبناني في مراحل لاحقة.
لبنان إذاً في مراحل تطوّر غير سريعة، ولن ينجح أي تحرّك في تغيير نظامه إلا ربطاً بالمعطيات التي تؤكد أن التغيير مسألة تاريخيّة.