الغارقون في الوهم الأميركي…
جمال العفلق
الصمتُ أبلغ من الكلام… معارك طاحنة يخوضها الجيش السوري ورجال المقاومة على جبهتي الجنوب والشمال، وصوت المعركة أعلى من كلّ الأصوات وإنجازات الجيش أكبر من كلّ إنجازاتنا هذا إن كانت لنا إنجازات.
وما بين الإعلان عن اتفاق أميركي ـ تركي ينصّ على البدء في تدريب جماعات مسلحة مطلع الشهر القادم، وهو إعلان لشيء قائم أصلاً، وما ينشره ناشطون وعسكريون من صور لأطنان من الأسلحة التي ترميها طائرات النقل العسكري الأميركي لتنظيم «داعش» الإرهابي في العراق وسورية وليبيا، يطفو على السطح الغارقون في الوهم الأميركي والمستسلمون لفكرة واحدة تقول إنّ الإداراة الأميركية هي من تملك مفاتيح الحياة.
تلك الحياة التي تُرسم وفق مصالح الولايات المتحدة الأميركية، وعلى رأس تلك المصالح ضمان أمن «إسرائيل»… لهذا كان القرار الأميركي – الغربي يحمل عنواناً واحداً، ليقتل بعضهم بعضاً ونحن نتفرج، ليدمروا أوطانهم ونحن نمدّهم بالسلاح المدفوع ثمنه من الدول النفطية.
هذا جزء من واقع تحاول قوى سياسية تجميله وتزيينه على أنه هو واقعنا الذي يجب أن نقبل به، في وقت يسجل عدد الضحايا من المدنيين ارتفاعاً يومياً، من طرابلس الغرب مروراً بمصر وفلسطين المحتلة ولبنان وسورية وصولاً إلى العراق، وتتجاهل تلك القوى خطر «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية. الواقع الذي تروج له تلك القوى يلتقي مع ما يسوق له ائتلاف الدوحة المعارض بأنّ «داعش» ليس خطراً، إنما الجيش السوري هو الخطر على المنطقة، ويطالب الائتلاف مجلس الأمن بفرض حلّ سياسي تحت الفصل السابع، وهو في حقيقة الأمر يطلب من مجلس الأمن احتلال سورية ووضعها تحت الوصاية الدولية. هذه المطالبه ليست الأولى ولكنها تأتي اليوم في إطار قلق «إسرئيل» من انهيار حزامها الأمني في الجنوب ووصول الجيش السوري إلى خط الإمداد التركي في الشمال.
لا يمكن لأحد اليوم أن يقدم نفسه على أنه مسلم أومسيحي موالٍ أو معارض، سورياً كان أم لبنانياً أم ليبياً أو عراقياً، فالخطر يطال الجميع حتى الشعوب التي يدفع حكامها الأموال لتمويل الإرهاب على حساب التنمية الاقتصادية لدولهم لأنهم يعتبرون أنّ إرضاء أميركا أهم وأولوية، سوف تطالها يد الإرهاب، لهذا لن يكون هناك سفينة تصل بالمنطقة إلى برّ الأمان إلا سفينة المقاومة والاندماج بمحورها الذي لا يطلب شيئاً لنفسه بقدر ما يقاتل من أجل حقّ شعب المنطقة بالحياة الكريمة والمعاملة بالمثل.
إنّ دعوة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الجميع إلى حمل السلاح لمحاربة الإرهاب هي دعوة صادقة تطلب من الفريق الثاني أن يتوقف عن دعم الإرهاب والتجييش الإعلامي ضدّ المقاومة والجيش السوري والقوى التي تحارب الإرهاب الأميركي المتمثل بـ»داعش» و»النصره» و»جيش الإسلام»، وأخيراً وليس آخراً الميليشيات التي يتم تدريبها تحت اسم «معارضة معتدلة» والتي سيكون دورها القادم قتال الشعب السوري وقتله وتسهيل مرور العصابات الإرهابية إلى دول المنطقة. حتى تركيا الحليفة لأميركا سيطالها هذا الإرهاب، فالحرب اليوم ليست حرب توسع أو رحلة سياحية اختارتها شعوب المنطقة، إنما هي واقع دموي فرض عليها من الخارج وبدعم من الغارقين في الوهم الأميركي والمال العربي، والمناورة التي تقوم بها تلك القوى فيما يخصّ خطة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا ليست إلا محاولة يائسة منها على أمل أن يتغير شيء على الأرض لصالحها.
وبرغم التصريحات الخجولة التي تصدر عن تلك القوى بين الحين والآخر والمعبرة عن ندمها للتعاون مع أميركا وآخرها ما قاله الرئيس السابق للائتلاف عبد الباسط سيدا، إلا أنّ هذا الندم أو هذه المراجعة تبقى مجرد فقاعات إعلامية إذا لم تقترن بموقف واضح وصريح من الحرب على سورية، وهذا لن يحدث أبداً لأنّ الجميع متورط وغارق في التبعية العمياء، ولكي ندرك مدى الغرق في الوهم الأميركي فإنّ تلك العقول ترفض تفسير كيف تحصل إحدى أهم الوكالات الأميركية على أشرطة الفيديو التي يصورها «داعش» قبل أن يبثها التنظيم نفسه.
فهل يخرج الواهمون من وهِمهم؟ أم أنّ مصالحهم الشخصية سوف تتغلب على مصالح أوطانهم ويغرقون أكثر في بحر خداع بلاد العم سام التي لم يسجل التاريخ الحديث لها أي موقف أخلاقي تجاه شعوب العالم عموماً وشعوب المنطقة خصوصاً.