هل يريد حزب الله الحرب الأهليّة؟
ناصر قنديل
عندما نسمع رئيس حزب الكتائب سامي الجميل يعقد مؤتمراً صحافياً ليقول تعقيباً على كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، فيلفته أن السيد نصرالله ذكر الحرب الأهلية عشر مرات، ليقول إن لا أحد غير حزب الله يريد الحرب الأهلية، فإن علينا أن نفترض ان رئيس حزب الكتائب لا يلقي الكلام عبثاً بخلفية كيد سياسيّ، نستبعد ان يكون صانع خطابات رئيس حزب الكتائب، وهو يترأس حزباً عريقاً عمره عقود طويلة، أنتج للبلد نواباً ووزراء ورؤساء جمهورية، وكان طرفاً في الحرب الأهليّة لعقود، ويملك ذاكرة سياسية مليئة بالتجارب، ويفترض أنه يحسب كلامه بميزان الذهب، لأنه مسؤول، والبلد يعيش ظرفاً دقيقاً لا يحتمل الاتهامات التي تطلق جزافاً. ويعرف حزب الكتائب، خطورة الاتهامات القائمة على الافتراء في لحظة هشاشة الوضعين السياسي والأمني كالتي يعيشها لبنان اليوم.
السؤال الأول الذي يطرحه اتهام الجميل هو مع مَن يريد حزب الله حرباً أهلية، والحرب الأهلية تقوم على أساس طائفي أو مذهبي، فإن افترضنا أن الحزب يريد جر الطائفة التي يمثل حيزاً واسعاً فيها إلى الحرب الأهلية، فيجب ان يكون لدينا ما يقول مع مَن ستكون الحرب وكيف ستكون، وفق معلومات حزب الكتائب، حرباً شيعيّة سنيّة، أم حرباً إسلامية مسيحية، وفي كل من الحالتين ما يكفي من الشواهد على درجة الحرص التي يبديها حزب الله على القوتين الرئيسيتين في الساحتين السنية والمسيحية، تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، سواء في السعي للطمأنة السياسيّة، والحرص على إدارة الخلاف بطريقة تراعي هذا الهدف.
السؤال الثاني الذي يجب أن يجيب عليه الجميل، هو كيف سيستفيد حزب الله من الحرب الأهلية، وهو الذي يقيم توازن ردع مع جيش الاحتلال بترسانة سلاح نوعيّ ثقيل لا تخدم الحرب الأهلية، وهذه الترسانة تهددها الحرب الأهلية، وقد أظهرت الحرب على سورية خلال عشر سنوات، كيف أن السلاح النوعي لا يمكن استخدامه في الصراعات الداخلية، وكيف أن هذا السلاح يصبح في دائرة الخطر في مثل هذه الصراعات، وما أصاب سلاح الدفاع الجوي السوري من تخريب خلال هذه الحرب خير دليل، ومحدودية قدرة السلاح النوعي في حسم الحروب الداخلية، مقابل الدور الحاسم للمواجهات المباشرة بين قوات المشاة، ظهرت في محدودية قدرة سلاح ناريّ لدولة عظمى هي روسيا، لولا دور قوات المشاة سواء الحكومية أو الرديفة والمساندة، فهل ثمّة مصلحة لحزب الله بدخول حال استنزاف مزدوجة كتلك التي خبرها جيداً في سورية وخبر أكلافها العالية، ويعرف حجم تأثيرها على التوازن مع جيش الاحتلال، وحرص كيان الاحتلال وسعيه الدؤوب لجر الحزب لمثل هذه الحرب؟
السؤال الثالث الذي يجب على الجميل أن يجيب عنه، هو كيف ينسجم في اتهامه لحزب الله بالسعي للحرب الأهلية من جهة، والقول إن حزب الله يدير الدولة ومؤسساتها بالقوة الناعمة لسلاحه، من جهة مقابلة، وبالتأكيد فإن رئيس حزب عريق كحزب الكتائب يعلم استحالة الجمع بين الحفاظ على إدارة المنظومة الحاكمة بواسطة القوة الناعمة، واللجوء الى استخدام القوة الخشنة وتسييلها في ميادين حرب أهلية، ووفقاً لاتهام حزب الكتائب لحزب الله بالنجاح في إحكام قبضته على النظام الحاكم بواسطة قوته الناعمة، تقع استحالة تفريطه بهذا الإنجاز والذهاب لحرب أهلية لا هدف لها، إلا إذا كانت دراسة رئيس حزب الكتائب للعلوم الاستراتيجية تحتمل فرضية أن الحرب الأهلية تعزّز قدرة حزب الله على الإمساك بالنظام، بينما هو ممسك به وفقاً للجميل من دون الحاجة للحرب الأهلية، أم أن الحرب مجرد فانتازيا يريدها الحزب؟
– السؤال الرابع لرئيس حزب الكتائب، هو هل فعلاً واثق من أن الحرب لا تقع إلا إذا أرادها حزب الله، ولماذا، هل السبب أن حزب الله لديه ترسانة سلاح نوعية هائلة، لكن هل تقول تجربة حزب الكتائب الذي كان مجرد حزب شعبي يضمّ بين صفوفه آلاف الشباب في المناطق المسيحية بلا قدرات عسكرية حقيقية، مقابل ترسانة هائلة لدى المنظمات الفلسطينية، بأن الحرب يمكن أن تقع وينجح خلالها من لا يملك ترسانة عسكرية بفرض توازن موضوعيّ عسكريّ وجغرافيّ بوجه مَن يملك هذه الترسانة، حيث نجح حزب الكتائب أن يوازن بقوة شبابية بلا خبرة وسلاح نوعي بين عامي 1975 و1976، بتأمين خطوط حمراء منعت تقدم قوات الحركة الوطنية اللبنانية والمنظمات الفلسطينية إلى مناطق أمنت حمايتها بسلاح محدود قياساً بالترسانة المقابلة الواقفة وراء هذه الخطوط الحمراء، ما يجعل التجارب كافية ليخشى حزب الله كصاحب ترسانة سلاح هائلة، أن يتم استدراجه إلى حرب أهلية فيخسر صروة القوة ويتحوّل الى مجرد لاعب في الزواريب؟
– هل يمكن لخبرة رئيس حزب الكتائب في التشريح اللغوي والألسني الذي أجراه على خطاب السيد نصرالله، أن تكشف أن تكرار كلمة حرب أهلية عشر مرات، تعبّر عن قلق حقيقي من محاولات لتوريطه واستدراجه إلى هذه الحرب؟