الاثنين مهرب وليس طريق نجاة
} د.وفيق إبراهيم
الاثنين المقبل ليس بعيداً، تكفي بضعة أيام وتصبح مدته مستهلكة ويعود اللبناني للسؤال عن الحل وسط استمرار انهيار اقتصادي وسياسي غير مسبوق في تاريخ لبنان وشبه تخلٍّ خليجي – غربي يثير الحيرة. فكيف يعلن الرئيس الفرنسي ماكرون أن بلاده تبحث عن طرق جديدة للاقتراب من أزمة لبنان، ولن نرى مشروعاً فعلياً للمقاربة، كذلك فهناك تجاهل أميركيّ يطلب نتائج من دون مشاريع وكأنه يعمل على تفجير الوضع اللبناني فقط من دون وضع خطة مضادة لإعادة البناء.
الوضع اللبناني اذاً في وضع صعب جداً، لا يحسد عليه ويحتاج فيه إلى كميات كبيرة من الرساميل ليست موجودة ولا يبدو أن أحداً من الخليج والغرب يريد تأمينها.
لذلك يبدو أنه يجب العودة الى الطريقة التي كان يعتاش منها لبنان حتى نرى إمكانية تطبيق نموذج شبيه بها.
أولاً التقليد الدولي – الغربي العربي هذا كان لبنان يوليه أهمية قصوى لأنه مصدر معاش له، فهو يركز على ثنائية القوة الروسية – الأميركية التي ازدادت حالياً ليحتل فيها الروس مساحة تثير الانتباه.
بما يعني إمكانية نسج لبنان لعلاقات مع الروس قد تدر عليه عوائد روسيّة يريد الكرملين نشرها لكسب المزيد من الولاءات السياسيّة في منطقة الشرق الأوسط.
هذا لا يعني إلغاء هذا النمط من العلاقات الدولية، لكنها تجتاز حالياً مرحلة كباش بين الطرفين الروسيّ والأميركيّ حتى يجري الوصول الى حلول مقبولة. ما يعني أن على لبنان الانتظار من الناحية الأوروبية. فرنسا متخصصة في شأن لبنان وتريد بقوة العودة الى الشرق الأوسط من بوابته، لكنها لم تجد الوسائل المناسبة لتأمين هذا الدور وذلك لأسباب أميركية او روسية أو الأمرين معاً. وهذا يعني ارتطامها بمعوقات من صناعة القوى الكبرى التي لم تنظم علاقاتها بعد. وهذا يسري بالطبع على فرنسا.
اقتصادياً يستفيد لبنان من الخط الخليجي في السياحة والاصطياف والمعونات. خط اقتصادي محترم لم ينقطع ابداً منذ سبعينيات القرن الماضي، لكنه ليس على ما يرام حالياً بسبب التوتر السياسي الخليجي في السعودية والإمارات ما يعني ان على لبنان ان يتريث حتى انتهاء قضية محمد بن سلمان والتفاهم الروسي الأميركي حتى يجد لعلته اسباباً تدعو الى النجاة. وهذا ينسحب على لبنان الذي كان يستقبل مئة الف مصطاف سنوياً وعدد مماثل من الزائرين والعابرين ويصدّر كميات كبيرة من الزائرين التجاريين مع تصدير للفاكهة بكميات كبيرة.
بذلك نجد أن الوضع الاقتصادي لن تقوم له قائمة بعد نهار الاثنين او مع حكومة لا تنتبه للأسباب الاقتصادية المذكورة.
ماذا عن السياسة؟ البلدان تعتاش على السياسة ولبنان بمجموعاته الطائفيّة بحاجة ماسة اليها وهي بدورها تحتاج الى راع دولي عربي ام اوروبي لتنظيمها، لكن ما يجري اليوم لا يندرج في هذا الإطار. فالأحزاب اللبنانية بمجملها أصيبت بوهن بعد كورونا ولم يتبق إلا حزب الله رأساً لكل هذه الآليات، تتكلم وكأنها قوى حزبية كبرى لكنها تؤدي دور أحزاب تحتمي بالطوائف ولا تستطيع أن تؤدي أدواراً كبيرة، فالسفارات منكفئة والدور العربي ضائع، وبذلك تبقى الأحزاب بدور وحيد وهم التمثيل الحصري للطوائف واللعب على هذا العامل للاختباء من حالة الضعف التي تجتازها.
هناك سؤال آخر وهو بوسع هذه الأحزاب تأسيس تحالف بينها يوسّع الحالة الوطنية من التقوقع الطائفي الى درجات لبنان؟
بالطبع لا، فبالكاد تستطيع هذه الأحزاب ان تستعمل الطائفية للاستمرار، خصوصاً أن الدعم الذي كان يردها لم يعد موجوداً، لذلك تبدو الصورة على الشكل الآتي: احزاب ضعيفة لا تستطيع أن تستقوي لا بـ»إسرائيل» ولا بالغرب مقابل حزب الله التنظيم الأساسي القادر على إدارة الدفة في الاتجاهات التي يريدها، بالمقابل ترى أحزاب لبنان وكأنها على وشك الغرق ولا تجد معيناً يدفع بها نحو بر النجاة.
أما الجزء الثالث من الصورة فهو لبنان الاقتصادي والسياسي المرشح للغرق ولا يجد من معين أو نصير، فكيف يأتي الاقتصاد من دون سياسة في بلد فقير والتفاهمات الدوليّة لم تحدث بعد وبشكل نهائي.
فهل لدى لبنان القدرة على الصمود؟ لديه إمكانات المراوغة إنما من دون صمود فعلي وبأقل قدر ممكن من الإمكانات التي لا تنتج إلا فقراً وعوزاً.
لبنان اذاً ذاهب إلى فقر بغيض؟ نعم انه كذلك وبفضل قواه الطائفية المحتكرة للإمكانات الاقتصادية فإنه ذاهب للاستقرار في وسط الفقر المتهالك ما يعني على الفور نشوب صراعات داخلية قوية بين طوائفه ومناطقه من دون أي وجود لقوى بوسعها السيطرة على هذا القتال.
مَن يحمي لبنان إذاً؟
حزب الله هو الطرف الوحيد الى جانب الجيش اللبناني، القادران على الإمساك بالوضع الداخلي ومنع الانفجار الكبير، وهذا ليس غريباً على السيد حسن نصرالله الكثير الإلمام بالوضع اللبناني والقادر بالتالي على التعامل معه بأريحية وباع طويل. فالموضوع ليس البحث عن نصر شيعيّ على السنة أو مسيحيّ على الدروز بقدر ما يحتاج هذا الوضع الى إعادة تجميع للقوى الطائفية يقوده مشروع وطني لنجاة لبنان، وهذا لا يستطيع أحد أن يفعله إلا السيد حسن نصرالله.. فهل يفعلها؟
لن يتأخر كثيراً لأن لبنان هو قرّة عينه وهو المكان الذي يجابه منه «إسرائيل» وقواها في المنطقة.