دعوة لافروف فرصة عالميّة للنهوض من أزمة كارثيّة
} سماهر الخطيب
أكد عميد الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف، الاثنين، في مقابلة أجراها مع صحافة جمهورية الصين الشعبية خلال زيارة عمل للصين، أن بلاده «تؤيّد تشكيل أوسع تحالف ممكن للدول المعارضة للعقوبات الأحاديّة الجانب».
وفي محاولة للتخلّص من التبعية للهيمنة الاقتصاديّة الغربيّة، أوضح لافروف أنه «يجب تقليل مخاطر العقوبات من خلال تعزيز استقلالنا التكنولوجيّ، والتحوّل إلى التسويات بالعملات الوطنية والعملات العالمية، كبديل للدولار».
وبالتالي فإنّ أهمية ما تطرّق إليه لافروف في حديثه أنه لم يقتصر على تعزيز التعاون مع الصين فحسب، بل شمل أيضاً إنشاء تحالف دوليّ يعارض العقوبات الأحادية الجانب. فمن الناحية السياسية يمكن لمثل تحالف كهذا أن يعبّر عن نفسه بقوة إذا تمكّن من دمج عدد كبير من الدول فيه. حينها يمكن لمثل هذا التحالف المكوّن من الدول التي لا توافق على العقوبات الأميركيّة أحادية الجانب، أن تشكّل «كتلة ضاغطة» ضمن الجمعية العامة للأمم المتحدة وتستطيع هذه الكتلة التأثير في قرارات الجمعية العامة. ومن المعلوم أن الجمعية العامة هي جهاز الأمم المتحدة التمثيلي الرئيسي للتداول وصنع السياسة العامة. وتلزم في التصويت على قضايا هامة محددة، مثل التوصيات المتعلقة بالسلام والأمن..
ويمثّل الانتقال إلى مثل هذا التفاعل المضاد للعقوبات قضيّة حيويّة خاصة أنّه لا يوجد غرب واحد في هذه القضية فهناك الولايات المتحدة وأقرب حلفائها، أي كندا وأستراليا. فيما يعتبر موقف الاتحاد الأوروبي مختلفاً، وكذلك مواقف اليابان وكوريا الجنوبية. في المحصلة كلٌ يلعب لعبته الخاصة أما المسألة الأهم والقاسم المشترك للغرب مجتمعاً يكمنان في أن الصين هي أهم شريك تجاري لهم جميعاً..
في المقابل، ستسعى الولايات المتحدة إلى زيادة ضغط العقوبات على روسيا والصين، لكنها لن تكون قادرة على فعل أي شيء آخر، سوى رفع ورقة العقوبات بعد أن دمّرت قنوات الاتصال مع روسيا والصين معاً..
وها هو الناتو أيضاً والدول المندرجة في «لوائه» تسعى لوضع الصين وروسيا في قائمة التهديدات الأولى للحلف، كما تفعل بريطانيا التي ذهبت إلى أبعد من ذلك حيث أعلنت في استراتيجيتها السعي نحو تطوير الأسلحة النووية بزعم أنها تريد مواجهة الخطر الروسي والصيني، إنما في مضمون هذه الاستراتيجية مسعى بريطانيّ لجر روسيا والصين نحو سباق تسلح يرهق «كاهليهما»..
ولم يكتف لافروف بالدعوة إلى إنشاء حلف مناهض للعقوبات الأميركية أحادية الجانب إنما وجّه دعوة للتحول إلى التسويات الاقتصادية والتجارية بالعملات الوطنية والعملات العالمية، كبديل للدولار، وهو ما يدلّ على أن روسيا تعي جيداً أن الولايات المتحدة تستمدّ قوتها من الدولار كأحد أذرعها ومقومات سيطرتها على العالم، بخاصة إذا علمنا أن سبب قوة الدولار في الواقع تأتي من كونه العملة الاحتياطيّة العالميّة ويصل إلى ما يقرب من ثلثي كافة احتياطيات التبادل الرسمي، وأكثر من أربعة أخماس كافة التعاملات التبادليّة الأجنبيّة.. علاوة على ذلك، فإنّ كافة قروض صندوق النقد الدوليّ معينة بالدولار.
وبالتالي فإنّ قوة الدولار لا تسوّغها القوة الاقتصادية للولايات المتحدة، لأنّ ما تستطيع الولايات المتحدة تصديره يمكن الحصول عليه من مصادر بديلة.
وفي واقع الأمر، لا تتكلّف الولايات المتحدة شيئاً تقريباً في إنتاج الدولارات، إذ إنه بمقدار ما يتداول الدولار خارج أراضيها، أو يستثمر من قبل مالكين أجانب في أصول تجارية أميركيّة بمقدار ما يتوجّب على بقية العالم أن يزوّدها بالبضائع والخدمات مقابل هذه الدولارات. ما يعني أنّ الولايات المتحدة تستورد كميات ضخمة من السلع والخدمات من دون مقابل.
وفي الواقع، إنّ الأزمة الاقتصاديّة التي اندلعت عام 2008 بسبب الرهن العقاري ما زالت ممتدّة بآثارها إلى اليوم، ليعود ناقوس الخطر ليدق من جديد، (قبل ظهور الجائحة)، محذّراً من أزمة اقتصادية كبيرة ستعصف بالاقتصاد العالمي، وستكون أشدّ فتكاً من سابقتها المالية، وستنتج عنها ولادة نظام عالمي جديد مختلف تماماً عن الواقع الحالي.
ومع اندلاع الأزمة الصحيّة الحالية المتمثلة بجائحة كوفيد-19، وما خلّفته من آثار مدمّرة على الاقتصاد العالمي وتحذيرات من انهيارات اقتصادية ومالية لبعض الدول، بات العالم اليوم على شفير بركان قد ينفجر في أيّ لحظة فقد أصبحت بوادر الأزمة الاقتصادية واضحة، حيث بلغ حجم الدين العالمي لعام 2019، ثلاثة أضعاف الناتج القومي الإجمالي العالمي، حيث إنّ الناتج القومي الإجمالي العالمي 85 تريليون دولار، إذا جمعنا مداخيل دول العالم كافة، بمعنى أنّ العالم مَدين بنسبة 300% من قيمة الناتج القومي الإجمالي، وهذا إفلاس حقيقيّ..
كما أنّ أوروبا مرّت منذ أعوام قليلة مضت، بانكماش اقتصاديّ، ما دفعها إلى وضع حدّ على ألا يزيد الدين العام على 60% من الناتج القومي، ناهيك عن أنّ الولايات المتحدة تمرّ حالياً بمرحلة انكماش اقتصاديّ، فلديها عجز سنويّ يُقدّر بنحو تريليون دولار..
إذاً العالم يتجه نحو أزمة اقتصادية عالمية خطيرة جداً، لم يحصل مثلها في هذا القرن، وهي مختلفة تماماً عن الأزمة المالية في 2008، حيث كانت أزمة سوق مال بحتة، ولم تكن أزمة اقتصادية إطلاقاً، وسوق المال هو السوق الموازي للسوق الاقتصادي، ولا علاقة له ولا أثر له على الناتج القومي، فمن يربح ويخسر هم المتضاربون في الأسهم وفي الأوراق المالية، أما هذه الأزمة فستصل إلى مرحلة تضمّ الكساد وغلاء الأسعار بدأت بوادرها في النصف الأول من العام الماضي 2020 ولا زالت مستمرة إلى اليوم..
وما تستطيع الدول السياديّة القيام به كثير إذا ما أرادت النهوض وعدم الانصياع للأوامر الأميركيّة وعدم الخوف من قوة «الدولار»، فالعقوبات على إيران مثلاً دفعتها نحو الاكتفاء الذاتي، وبالتالي لم تقف تلك العقوبات عائقاً؛ إنما العائق يكمن في عدم انتهاز الفرصة وإيجاد فلسفة اقتصادية – مالية جديدة تحمي الدول من «الغطرسة» الأميركيّة وذلك ما نجده في الدعوة الروسية التي جاءت على لسان وزير خارجيتها والتي تصب في صلب هذه الخطوة التي تستشعر بها جميع دول العالم بمحاولة منه للتخفيف من وطأة العقوبات أحادية الجانب الضارة بالاقتصاد من جهة ولإيجاد طريقة للالتفاف على قوة الدولار والتخفيف من مخاطر السياسات الأميركيّة الخارجيّة المصلحيّة من جهة أخرى.