القومية الاجتماعية بالإيمان والقناعة الرفيقة الدكتورة راغدة جريج
كنت عرفت الرفيقة مثال جريج بعد حين من عقد قرانها على الرفيق سامي مظلوم، الذي كنت عرفته في أولى سنوات انتمائه إلى الحزب. فقد دعانا الأمين جبران جريج إلى الغداء مع الرفيقَين سامي ومثال.
بعد سنوات تعرّفت على شقيقتها الرفيقة راغدة، الأستاذة الجامعية في معهد العلوم الاجتماعية، فراحت تتصل بي كلما زارت مركز الحزب، ورحت أطمئن عنها من الأمين الدكتور يوسف كفروني، الذي تولّى إدارة فرع معهد العلوم الاجتماعية في الشمال.
كنت أرتاح إلى الدكتورة راغدة، لما وجدت لديها من أخلاق النهضة، أضاءت على ذلك المواطنة إيمان جبران جريج بما تعرف عن الخصال الحميدة لابنة عمها.
الرفيقة الدكتورة راغدة، الأستاذة الجامعية، المثقفة المجسدة للكثير من فضائل الالتزام القومي الاجتماعي، رحلت بعد صراع مع الداء اللعين.
إلى روحها، وكي تبقى ذكراها في ذاكرة الحزب وتاريخه، أنشر الكلمة التي وصلتني من الرفيق سامي مظلوم، مسجلاً له شكري، بعد أن كنت شكرته سابقاً على المعلومات القيّمة التي زوّدني بها عن الرفيق الأديب والشاعر ميخائيل الأشقر(1).
اشير الى اني كنت تسلّمت سابقاً من الرفيقة الدكتورة راغدة نسخة عن المذكرة التي كانت أعدّتها الطالبة ميرنا إسحق لنيل شهادة الجدارة في علم الاجتماع السياسي، التي أشرفت عليها الدكتورة راغدة جريج.
راغدة قلب يخفق بالحب والعطاء. وعقل يُبدع. وإحساس يتدفق، خيالها يحملها الى بيادر ضيعتها بترومين في الكورة الخضراء، الى البيت الذي تربت وترعرعت فيه، الى أمها، الفاضلة أم جورج، الى عطفها وحنانها، الى حكايات والد ها المناضل حنا جرجس جريج «الرفيق أبو جورج»، الى شقيقيها المهندسين جورج وإبراهيم وعيالهما، الى شقيقاتها في الوطن المربية العريقة ساميا جريج الخوري، والمصممة هيام جريج نصار… الى شقيقتها الكبيرة مثال جريج مظلوم أم زينون في ملبورن – استراليا، والى الاهل في الوطن وعبر الحدود، الى طلابها وطالباتها الى أجيال زرعت فيهم العلم والمعرفة وقيم الحق والخير والجمال… والحق يُقال: لقد تجلّى عملها ونضالها وتربيتها . يوم وداعها السبت 30 كانون الأول 2017، كان وداع مهيب ورهيب، حضور شعبي كبير، وأكاديمي مرموق، وكلمات وداع أكّدت لناسنا مقيمين ومغتربين ان أبناء الحياة هم أبناء النور زادت أعمارهم أم نقصت.
حقاً ان الحياة ليست في الولادة والموت، او ما بينهما، بل هي حالة استمرار في بال التاريخ وعلى جنون الكون…
وكما ذكر شقيقها المهندس الرفيق جورج جريج في كلمة الوداع «راغدة جريج هي نور من نور الحقيقة، تبقى حبة الحنطة التي تكتنه الحياة الجديدة، ومن آلامها ونضارة جراحها يتفجر نورها اليوم من عنفوان وجعها وروحها الكبيرة الخالدة فيكم وفينا من خلال ما زرعته وحققته… هي حقاً ذلك الفينيق الطالع من آلام الجراح ورماد الحرائق، مؤكدة ان موت الكبار طريق لحياة الامة بكل ناسها في الجيل الجديد، كانت تردد الدكتورة راغدة ان العمل الإبداعي وحده العظيم، بل هو الأعظم والابقى في مسيرة الحرية، والكرامة الإنسانية… والنهاية ليست للعباقرة، انهم كالشمس يتجدّدون .
راغدة جريج قصيدة عنوانها كلمة وجدانية، بنت بيت قومي اجتماعي والدها مارس وبصلابة وعناد وايمان كبير تعاليم المعلم أنطون سعادة، وبنى مع زوجته الفاضلة إيلاما سلّوم جريج عائلة على قاعدة النبت الصالح، هي سيدة المجتمع في أوج حياة العز والكرامة…
عمها، شقيق والدها، الأمين والباحث الكبير المناضل جبران جريج من الأوائل في دروب النهضة القومية الاجتماعية وضيعتها بترومين عرين لفكر النهضة المُنفتح بكل وعي ومحبة وإخاء على كلّ ناسها الطيّبين الشرفاء، ومحيطها حقول البركة في زيتونها وخوابي زيتها وخمرة عناقيدها ونبوغ أهاليها الكبار بعلمهم وأدبهم، بعطائهم وكرمهم ومحبتهم لوطنهم وللانسانية جمعاء.
يا دكتورة، هكذا كنتُ وما زلتُ أناديها، أية قيمة علمية وإنسانية أنتِ ؟
وأية قمة ؟ ما وقعت عندك الا على الخلال كأن النقص فيك، وبك، انتفى في هؤلاء الذين جُبلوا من تراب… لن أغالي، هذا رأي الناس في مَن جاء هذه الدنيا ليعيد الى الناس بعض الثقة بأن القيم والخصب والعطاء سمات ما تزال في خير. ولعل اجمل ما فيك، انكِ لا تستجدين الاعجاب ولا تسعين إليه، فتقولين ما يُحرك العقل والاقتناع فيكِ، وليغضب من يغضب، وليرضى من يرضى.
يا راغدة، يا دكتورة: كل محاضرة وكل دراسة وكل كلمة من كلماتك فيها شيء من أرضنا ومن سمائنا، وكل خطاب ومكالمة وبحث وأسئلة وأجوبة، كلها تعابير وأقانيم في خطى رسالة كل الرسائل، في الفكر الفلسفي الرسولي، من أجل إنسان هذه الامة الهادية، ولخير العالمين.
*
في آخر رسالة لها على الواتس اب قالت لي: يا اخي ويا رفيقي أعاني الكثير من الآلام لكن صدقني وجع الجسد لا يُحزنني. بل وجع الروح هو أعمق وأشد آلاماً… قضيتنا القومية الاجتماعية هي شأنإنساني إجتماعي، سيأتي جيل من هذه الأجيال الطالعة وينتصر للأمة بتعاليمها، ألم يقل سعادة: أتيتكم بالحقيقة التي هي أنتم ؟
الافراد في المجتمع يأتون ويذهبون «انا ذاهبة قريباً الى بداية جديدة أمارس معها ذات القيم التي تعلمتها في بيت أبي حنا جرجس جريج، نعم الافراد في المجتمع يأتون ويذهبون يتساقطون كأوراق الخريف، ولطنه الحق يا أبا زينون لا يذهب معهم، بل يبقى، لأن الحق إنساني والإنساني اجتماعي فهو يبقى بالمجتمع وفيه… تعلّمنا في مدرسة أنطون سعادة عقيدة لها نظرة شاملة للحياة والكون والابداع، هذه العقيدة تنظر الى الانسان من زاوية الحقيقة الإنسانية الكبرى – حقيقة المجتمع، لا من زاوية الفرد، الذي هو في حد ذاته وضمن ذلك الحق مجرد إمكانية إنسانية.
عزيزي أخي ورفيقي سامي،
قلت لك منذ ستة شهور سأزوركم هذا الصيف في استراليا، ونتعرف على الاحفاد حفظهم الله لنا جميعاً، لكن مرضي صعب وانا تعبانة كتير، كتير وضعي الصحي غير جيد، ولا قوة عندي، عمّ هونها على مثال لكنني تعبانة جداً، أطلب منك ان تدوّن كل الهمسات التي أرسلتها لي ونشرتها عبر الراديو وعلى صفحات الأصدقاء والرفقاء، أطلب ان تدوّنها او تسجلها بصوتك المدوي دائماً لحياة الحق والعز والخير والجمال على أسطوانة dvd مع موسيقى تليق بالنص او الهمسة، وهذا عمل يبقى للأجيال، كل البحوث والكتب التي أعدّوها طلابي وأشرفت عليها مع بحوثي وكتاباتي والاعمال الخيرية والإنسانية التي نفذتها هي اولادي وبناتي وديمومة مسيرتي في حياة مجتمعي وأمتي..
واسلم مناضلاً لحياة عز وطننا وأمتنا وانسانيتنا.
*
ولشقيقتها مثال كتبت على الواتس أب أيضاً:
حبيبتي انا مقاومة، أقاوم الشر، وبمقدوري ان اقاوم هذا المرض الخبيث، حتى الرمق الأخير، لا أخاف الموت لكنني أكرهه… أمنيتي ان أموت وقوفاً مكملة رسالتي التي نذرت نفسي لها، ومن خلالها يا أختي زرعت قيمنا في الأجيال التي علّمتها وأشرفت على اختصاصاتها… وكلهم بالنسبة لي اولادي، أتمنى ان اراكم قبل ان أإمض عينيّ،
أحبك كثيراً انتِ أختنا الكبيرة مثال، انتِ كان أبي يُناديكِ بـ نجمة الصبح، الله يطوّل عمرك يا أختي وخليلك عيلتك الحلوة كتير، وأنا بحبك كتير، كتير،
*
نأمل من حضرة الأمين الدكتور يوسف كفروني ان يزوّدنا بما يُغني النبذة عن الرفيقة د. راغدة جريج وحضرة الأمين كفروني تولى إدارة معهد العلوم الاجتماعية في الشمال اللبناني.