إن مجرد التفكير في الإجابة على هذا السؤال قد تقودنا الى الشك في قدرتنا على كسب معركة الوعي، بل الصحيح هو إعادة برمجة عقولنا بضرورة كسب هذه المعركة أو أي معركة نقرّر خوضها لما لها أهمية في معنى وجودنا. علينا ترديد أن فكرة المسّ بالوعي والثوابت هو من المحرّمات ويجب على أركان المجتمع العمل على التصدّي لأية محاولة كيّ وتغييب لهذا الوعي عند الأفراد، وبالتالي تغيير حقائق لطالما كانت هي من الأسس في أي مجتمع.
إذا قررت مراكز الأبحاث القيام بدراسة إمكانية العمل على استعادة وعي شعوب المنطقة الذي تأثر كثيراً بأحداث مفصلية في المنطقة، نسلم جدلاً أننا خسرنا معركة الوعي قبل بدايتها!
مثلاً إذا دار في فكر شخص السؤال عن إمكانية النجاح في عمل ما، قطعاً قد يكون الفشل من نصيبه، لأن عملية التفكير يجب أن تكون باتجاه أنه ليس هناك مفرّ من النجاح في الوصول الى الهدف لكي أكون وليس هل بإمكاني النجاح، بمعنى آخر إتاحة المجال للشك!
معركة الوعي هي شبيهة بمعركة النجاح، أي أن لا مفر من تعزيز وتثبيت الوعي لدى الفرد كي يكون وعدم السماح بالمس بهذا الوعي كي يحافظ المجتمع على مكتسباته وما هو حق له. إذ لا يمكن للفرد الشك بوعيه الثقافي الذي يمثل ثوابت مسلم بها.
إن مجرد التفكير في خسارة معركة كهذه لا يسع الا أن يخطر في بال المرء شكل العالم الجديد في خضم مجتمعات لا هوية لها أو تتخذ لنفسها هويّة تمّ تصنيعها لها فارغة من أي مضمون أو فكر يعوّل عليه ليكون فرداً فعالاً في مجتمعه. إذاً بخسارة معركة الوعي، يخسر المجتمع هويته وفرصه بالتطوّر وقطعاً حقه في الحفاظ على أرضه وتاريخه في نهاية المطاف.
إن وعي الفرد يتساوى مع انتمائه لمكان ما وأحقيته بالحفاظ عليه. لذا إذا تم التركيز على تغييب الوعي وتشويه الحقائق، يصبح التلاعب وخلق وعي جديد للفرد عملية تحصيل حاصل وهدفاً سهلاً من أجل دسّ كمية من المعلومات المغلوطة ويتم ترديدها بقدر كبير بحيث تصبح حقائق بديلة في ما بعد.
قد يبدو لنا أن المشهد مظلم اليوم لأن مجتمعاتنا ومنطقتنا تقف أمام تحديات كبرى وصعبة، وقد نسمع رأياً هنا أو هناك يوحي لك بأننا ربما نعيش على أعتاب نهاية العالم وأننا نعيش في زمن لا يمثلنا ولا ننتمي له، ولكن إن تمعّنَا فسنجد أن عملية كي الوعي جاءت مخيّبة لآمال صانعيها، لماذا؟ ببساطة لأن في مجتمعاتنا أفراداً ذوي وعي ثقافي عالٍ، قادرين على الأخذ بزمام الأمور إن لزم الأمر!
صحيح أن معظم شعوب المنطقة ورغم كل الويلات، لا زالت تحافظ على وعيها لا بل تجدها تقاتل من أجل تعزيزه والعمل على نشر كل ما يتعلق بثقافة وتاريخ المنطقة. ولكن هل هذه الجهود كافية لصد المحاولات الحثيثة من أجل تغييب الوعي وتغيير وجه المنطقة؟
بالطبع لا، وما يظهر في أكثر الأحيان هو مجهود شخصي لأفراد المجتمع وبالاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي، يأخذ هؤلاء الأفراد على عاتقهم مهمة الدفاع عن الهوية وتعزيز الوعي المجتمعي. تبقى جهودهم فردية تثمن، ولكن ليست كافية ويجب تكثيف الجهود في مؤسسات المجتمع كافة لأجل مساندة جهودهم والتكاتف لضمان كسب معركة الوعي.
إن إحراز النصر في هذه المعركة هو بمثابلة تحقيق نصر في إثبات الوجود والحفاظ على ما هو حق لهذا المجتمع، بالإضافة الى تعزيز قدرة أفراده على مواجهة محاولات التأثير في إدراكه وتجنّبه مخاطر خسارة الهوية الثقافية.
إن الوعي الثقافي لدى الأفراد في أي مجتمع هو المعيار الأساس الذي يُقاس به تقدم وتطور هذا المجتمع، لا بل له الدور الأكبر في استقراره والقدرة على النهوض به لمساهمته المهمة في بناء الذات لدى الفرد وخلق الإنسان المبدع المثقف، وبالتالي يمكنَه من لعب دور أساسي في بناء مجتمع مثقف قويّ قادر على أن يحجز لنفسه مكاناً مع باقي الأمم المتقدّمة.
من هذا المنطلق تظهر للمتابع في أيامنا هذه المحاولات الحثيثة للتلاعب بالوعي لدى الأفراد في أي مجتمع مستهدف لخلق وعي جديد يسهل فيه فرض الولاء وفكرة الانتماء له بظل الحقائق الجديدة. لذا لا بد من مراجعة السياسات المتبعة في أي مجتمع من أجل تطوير الأدوات والخطط لتعزيز الوعي وتطويره بطريقة مستدامة، على أن تكون الجهود مشتركة بين الأسرة والمدرسة والإعلام بالإضافة الى المؤسسات المدنيّة، لتجنّب ظهور أزمات اجتماعية وأخلاقيّة وثقافيّة كلما تعرض المجتمع لمحاولات التأثير والتغيير أو تغييب وعيه من هنا أو هناك. لنا أن نتخيل المجتمع كالبناء الحصين والمترابط الذي لا بد أن يكون قائماً على أسس متينة تمكّنه من مواجهة الأعاصير والزلازل التي قد تعصف به، ولكنه لا ينهار. فكلما كان وعيه الثقافي راسخاً، كان البناء الذي يضمّه كالجبل لا تهزه الريح!