جعجع مَن بادر إلى عون و«المستقبل» إلى حزب الله
جهاد أيوب
حينما بادر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى التواصل مع رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون لم يكن يطمح بأن يشترط الأخير تنازل جعجع عن تمسكه من ترشيح تاريخه الدموي وأفعاله السياسية الغريبة، واغتياله لرئيس مجلس الوزراء الشهيد رشيد كرامي، إلى رئاسة الجمهورية اللبنانية، ولكن عون فعلها ووضع على الطاولة هذا الشرط الأساسي للقاء ستبنى عليه مرحلة سياسية جديدة بينهما، وأيضاً بين عناصر كلّ من «القوات» و«التيار البرتقالي».
وعلى رغم عدم اقتناع عون بصفاء نية «الحكيم» وهو الذي اختبره في أكثر من موقع ومناسبة، آخرها القانون «الأرثوذكسي»، وإدراكه أنّ الاتفاق الكلامي قد يختفي كلياً عند شروق شمس الدول التي يدور في فلكها جعجع، وتحديداً السعودية، أصرّ عون أن يتمّ اللقاء بينهما علناً بعد أن تصاغ ورقة الاتفاق والتفاهم نهائياً، ليتمّ التوقيع عليها من الطرفين وإعلانها في مؤتمر صحافي!
يريد عون المدرك للمساحة والهوة بينه وبين جعجع أن تكون الأمور علنية، وأمام عدسات المصوّرين من أجل أن يكون الشارع المسيحي بخاصة واللبناني بعامة، بكلّ أطيافه شاهداً على كلّ كلمة وسطر في الاتفاقية، وعلى رغم أنّ العديد همس في أذن عون أنّ جعجع قد يخلف بوعوده، وقد ينسف كلّ ما جاء في الورقة من دون الالتفات إليها وإلى كلامه في المؤتمر، لكن عون أصرّ أن يتمّ الأمر علناً في حال حدوثه، وأن يكتشف الشارع المسيحي الحقائق!
هذه الورقة إنْ تمّت، مع انّ المقرّبين من جعجع يشيعون أنّ الاتفاقية بعيدة، ومع ذلك يجلسون مع قيادات «البرتقالي» كي ينجزوها، إنْ تمّت تعني الكثير في الساحة اللبنانية وبالأخصّ المسيحية منها، أولاً هي تأتي بعد حوار سعى إليه تيار المستقبل مع حزب الله، ولتؤكد أنّ عون هو الزعيم المسيحي الأول والأقوى، وأنّ جعجع هو بعد عون، وأن عون بدأ قوياً في موقفه من خلال ترشيح فريقه له من دون منازع، بينما كان ترشيح جعجع ثقيلاً ومشوّشاً وصعباً على الفريق السياسي الذي ينتمي إليه، تيار المستقبل وحزب الكتائب وكلّ الموارنة في 14 شباط، لم ولن ولا يقتنعون حتى البرهة بترشيح جعجع الذي تمسّكت به السعودية إلى حين المقايضة، ووضعت الفيتو على عون.
كما أنّ جعجع، ومن خلال اتفاقه مع عون، يضمن لنفسه حضوراً قوياً في الشارع المسيحي، وقد يطرح نفسه في الجولات المقبلة كطرف أساسي في اختيار الرئيس المقبل، والأهمّ أنّ الاحتقان السائد بين المناصرين يخفّ، ويوصل إلى معادلة جديدة في فهم دور كلّ منهما، فالتيار وقع اتفاقية تاريخية مع المقاومة ولن يتراجع عنها، لا بل هو يدرك أنّ هذه الاتفاقية ثبتت حضوره وأبرزته كقوة وطنية فاعلة وحاصدة لكثير من المكاسب في الداخل اللبناني، أولها تأكيد أحقية عون في كرسي الرئاسة، وتمكينه من اتخاذ مواقف سياسية صعبة، ليس من الممكن اتخاذها إذا لم يكن حليفه قوياً، بينما جعجع ومَن معه ومَن يسير خلفه فقد تلاشت كلّ مشاريعهم وما كانوا يراهنون عليه ولم يعد هو يسمع بفريق 14 شباط، ويعلم أنّ حلف ضرب المقاومة والسيطرة على الوطن خفُت وهجه، لذلك الصلح مع عون قد يحفظ لجعجع حصة في الحضور المحلي بعد المكاسب العسكرية الكبرى للجيش السوري ولمحور المقاومة في سورية، والضربات السياسية الحاسمة في اليمن، ووضع النقاط على حروف الاستراتيجية اللبنانية بعد ردّ المقاومة على عملية القنيطرة.
جعجع وسعد الحريري والبعض في تيار المستقبل يشعرون بالمفارقات المقلقة والمقبلة عليهم بعد موت ملك السعودية عبدالله، وأنّ الوضع في المملكة غير مستقرّ في هذه المرحلة، وإلى حين تتضح الصورة هناك لا بدّ من الحوار مع الفريق الأقوى في لبنان، وهو حزب الله والتيار الوطني وفريق 8 آذار.
إنّ هذا الحوار وما سينتج عنه من أوراق واتفاقات قد تبعد شبح الخطاب المذهبي، والتشنجات الطائفية، وتعطي فسحة من الهدوء النسبي بعيداً من مجريات الأحداث من حولنا، ربما هذه الحوارات توصل إلى استقرار موقت قد يطول إلى سنتين، وقد تضع لبنان في سكة الأمن وتحيّده عن همجية «داعش» و«النصرة» ولو لمرحلة قصيرة تحديداً حتى بدايات الصيف حيث لا بدّ من التحسّب لتحرك عناصر «النصرة» و«داعش» في جرود عرسال والقلمون ضدّ لبنان وجيشه ومقاومته ومواطنيه!