جنوح الناقلة في قناة السويس… حلقة في سلسلة متغيّرات إقليمية ودولية أم سقط متاع؟
نزار فاضل عثمان*
لا يمكن للمرء أن يتبنّى مبدئياً نظرية المؤامرة، غير أنّ تتالي الأحداث أقله منذ افتتاح عهد التطبيع الجديد في الفترة الأخيرة من عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وما جرى خلالها وما بعدها، قد يشير بطريقة أو بأخرى إلى أنّ ما يجري على الساحة الدولية لا يمكن التعامل معه وكأنه مصادفة أو سقط متاع.
من هنا ننتقل لطرح بعض التساؤلات والاستفهامات في ما يعني ويخصّ جنوح الناقلة “ايفر غيفن” خلال مرورها في قناة السويس. قد يظهر الأمر بداية وكأنه أمر قد لا يكون بعيداً عن مظنة الإمكانية التي تلعب فيها الظروف او المصادفات دوراً جعلها تقع في هذا الوقت الحساس بالذات، وهذا أمر قد يكون على ما أسلفنا ممكن الحدوث، لكن لو أضفنا القراءات التي قد تنبئ بها الأحداث على مستوى الساحتين الدولية والإقليمية لا سيما في حوض البحر الأحمر، لربما خرج معنا ما قد يشبه السيناريو لمخططات قد تمثل جنوح الناقلة واحدة من مفرداتها، او حلقة مكملة من سلسلتها.
وهنا يمكن طرح بعض التساؤلات انطلاقاً من معطيات سياسية خرجت إلى العلن منذ الفترة الأخيرة من عمر ولاية ترامب، وصولاً الى تسلّم جو بايدن للسلطة في البيت الأبيض. وعليه، هل يمكن فصل أهمية قناة السويس عن السياسات الإقليمية والدولية، خصوصاً وقد باتت الدول المتشاطئة على ضفتي البحر الأحمر بغالبيتها إما مطبّعة مع الكيان الصهيوني أو في طريقها للتطبيع؟ ومن ثم وإنْ أخذنا اهتمام إدارة بايدن بالشأن الصيني والروسي، وكما أعلن مؤخراً أنّ البنتاغون قد عيّن عدة مستشارين في ما يعني الصين ولم يعيّن ولا حتى مستشاراً واحداً في ما يعني قضايا الشرق الأوسط، ألا يعني هذا أنّ أولوية قضايا منطقتنا قد باتت ثانوية بطريقة أو بأخرى، أمام صنّاع السياسة في البيت الأبيض، أو على أقلّ تقدير أضحى هناك من يقوم بالدور الأميركي بديلاً عن الأميركي نفسه في منطقتنا؟ وكيف هذا ولماذا؟ ثم هل من الممكن فصل قضية قناة السويس عن التجاذبات والتوترات الحاصلة في حوض النيل بين إثيوبيا والسودان ومصر؟ فضلاً عن أمور أخرى قد يظهرها سياق الحديث حول الأمر محلّ البحث.
في البداية قد يمكن فصل البحث بهذا الإطار الى نقاط عدة، أولها ما قد يكون منهجية سياسية متبعة من قبل إدارة بايدن على مستوى الساحة الدولية، ثانيها موقعية الكيان الصهيوني، وما قد يكون من دور منوط به على مستوى الإقليم، ومن ثم الساحة الدولية، وطبيعة علاقاته مع دول التطبيع قديمها وجديدها. وثالثها التوترات التي يثيرها سدّ النهضة بين إثيوبيا والسودان ومصر، وما قد يكون مما قد يترتب عليه من أمور.
بدا بايدن بإزاء المشاكل والأولويات التي تواجه إدارته، أمام تحديات عدة منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي، يعنينا في هذا الإطار لهجته التصعيدية إما في مقابل الصين او روسيا من جهة، وهي التي تحمل في طياتها نوعاً من التوجه لمزيد من تفجر الأزمات بين الولايات المتحدة وهاتين الدولتين من جهة، وربما ما قد يشكل بلورة لنسق جديد من تفعيل القوة الناعمة الأميركية لتحريك الساحات الأخرى على المسرحين الإقليمي في منطقتنا أو الدولي، وهنا تبرز محورية مسألة التطبيع التي قادتها إدارة ترامب السالفة، والتي تظهر بطريقة أو بأخرى أنّ خيار التطبيع لم يكن مفردة تمثل طموحات ومطامع ترامب فحسب، او تشكل عنواناً لفائدة تعود عليه بالنفع، كما كان الحال إبان الانتخابات الرئاسية الأميركية، بل لربما تبدي الأيام اللاحقة لإدارة ترامب انّ هذا التوجه يمثل بأسلوب أو بآخر، توجهاً عاماً لدى الدولة العميقة الأميركية، وبالتالي فالخلاف بين إدارتي ترامب وبايدن ليس إلا خلافاً بالشكل والأسلوب لا بالمنطلقات والأهداف. وإنْ أضفنا إشراك الكيان الصهيوني في غرفة العمليات المشتركة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وغيره من أمور، لظهر معنا أنّ الدور المنوط بـ “إسرائيل”، أبعد مما هو متوقع، ويعني ربطاً بالأحداث الحالة انطلاقاً من التطبيع، وصولاً إلى قضية خط طريق الحرير، وصولاً إلى العلاقة المأزومة مع إيران ومحور المقاومة، لظهر معنا ما قد يكشفه المستقبل القريب مما قد يشكل بطريقة أو بأخرى سعياً دؤوباً أميركياً – “إسرائيلياً” لتمكين الكيان الصهيوني من الاضطلاع بدور محوري على مستوى الإقليم، يكمل ويريح الأميركي، ويعمل على تفريغ همّة الأخير باتجاه الشرق الأدنى والتحدي الصيني، وقوام هذا الدور قد يتبلور من خلال الاتكاء على دول عربية وظيفية تطبيعية من جهة، ومن ثم العمل على توسيع رقعة سيطرة “إسرائيل” في المنطقة، وتأمين الاكتفاء والإمكانيات اللازمة لها على صعد التوسع الجغرافي، والأمن المائي والغذائي، والتسلط على مستوى الدور الأولي في ما يعني كونها الدولة النووية الكبرى في المنطقة، ومواجهة الخطر الديمغرافي المتمثل بالتزايد السكاني للفلسطينيين انْ في الضفة الغربية أو غزة، بالإضافة إلى الاضطلاع بدور محوري في ما خص منتدى دول شرق المتوسط للغاز، فضلاً عما قد يكون باباً موصلاً لخط الحرير الصيني باتجاه المتوسط وغيرها.
كلّ هذه الأمور وغيرها قد تدعو للتساؤل: هل من الممكن ان تقوم “اسرائيل” بدور الفاعل المؤثر في شرق المتوسط أولا بما يخدم المصلحة الأميركية من جهة، وبمواجهة القوى الآسيوية الصاعدة على قمة الساحة الدولية كقوى عظمى، وبالتالي هل هناك سعي خفي لتأطير الكيان الصهيوني بإطار القوة العظمى، على الرغم من محدوديته الجغرافية والسكانية وفي الموارد الغذائية والمائية؟ وهل بالإمكان للكيان الصهيوني ان يتكئ على حلفائه من عرب التطبيع لسدّ ثغرة محدودياته المُشار إليها آنفاً؟ تساؤلات قد تجد جوابها في القادم من الأسابيع او الأشهر.
ثم… وإنْ رغبنا بتسليط الضوء على الأزمة الحالة بين إثيوبيا ومصر والسودان في ما يعني سدّ النهضة وما يثيره من مخاوف، والحرب الداخلية في إثيوبيا، لا سيما في إقليم تيغراي، والتوترات السودانية الداخلية، ألا تترك هذه الأمور مظنة تساؤل عن المستفيد مما يجري؟ وهل سيتحوّل سدّ النهضة بطريقة أو بأخرى الى ورقة ضغط على مصر والسودان من بعدها بيد الصهيوني للدفع باتجاهات عدة ليس أقلها سعي “إسرائيل” للاستفادة التجارية والاقتصادية من القناة، أو أقله استبدال القناة بقناة أخرى – وهو ما تمّ الحديث عنه مؤخراً – تدعم طموحات الكيان الصهيوني بالاضطلاع بمهام يرفعه الى مصاف الدول العظمى، ويوفر له ممرّين أحدهما مائي ويتمثل بالقناة الحالية أو البديلة من جهة، ويوفر له أيضاً خطاً برياً بديلاً عن خط العراق – سورية، في ما يعني خط الحرير الصيني؟ تساؤلات واستفهامات عدة تجعل المرء ينظر بمزيد من سوء الظن في ما يعني جنوح الناقلة “إيفر غيفن”، وتبقى أجوبتها بعهدة القادم من الأيام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب وباحث سوري