لماذا مُصيبة اللبناني مُضاعفة!
} السيد سامي خضرا
ما زالت «جماعة» من اللبنانيين تُحدِّثنا عن «التفوُّق والتميُّز» اللبناني عن شعوب العالم الأخرى في سرديَّات ضلَّلتْ أجيالاً بكاملها.
وصباحاً كنت أستمعُ لإحدى مُقدِّمات البرامج والتي كانت تتكلم كعادة محطتها عن أنماط مختلفة من الفرادة والتميُّز اللبناني وتُطعِّمُ كلامها وهي تتحسَّر على واقعنا، فاستوقفني تعليلها بأنّ «اللبناني لم يكن ينتظر أن يُصيبهُ ما يجري اليوم من كوارث إقتصادية وغيرها» وإنْ إعتَدْنا على رؤية ذلك في بلدانٍ أخرى لكن اللبناني لا يُمكنه أن يعيش «كهؤلاء» فهذه الأشياء «ما بتلبقلو»!
هذا الكلام ليس جديداً أو مستغرباً بل نسمع مثله كثيراً من وسائل الإعلام وهو نِتاج تربية قديمة أرادها البعض للبنان عندما قرَّر أن يصنع له تاريخاً مُطعَّماً بالأساطير والحكايا والبطولات والمُنازلات والتفوُّقات والاختراعات الوهمية والخيالية… فكان من مُستلزمات ذلك أن يكون اللبناني مُتميّزاً عن العالم ككلّ بل هو يُحاكي الغرب ويُغازله… ويتميّز عن العرب بشكلٍ عام وعن المحيط اللبناني بالخصوص!
فاللبناني ليس كالسوري ولا العراقي ولا الفلسطيني ولا الليبي… إنما هو «إنسانٌ حضاريٌّ» مُنفتحٌ يواكب العصر ويُحب الحياة!
وعزَّز هذه النَّزعة الشوفينية الإستعلائية الفينيقية مناهج دراسية وإعلامٌ خاضعٌ لتوجهاتٍ فكريةٍ، مُلخص ما يريده:
أن الفرد اللبناني يختلف عن الآخرين.. وحُشِدَت لذلك مجموعة من الأقاويل والأغاني والشعارات والمسرحيات لِتعطي خُلاصةً «أنّ لبنان قطعة سما، ونيال اللي عندو مرقد عنزة، والله اللي خلق لبنان ما خلق متلو، واللبناني كيف ما رميتو بيجي واقف، ومش قليل إنَّك تكون لبناني»!
هذا التوجه ربما كان يُسعد البعض بل يُطْربهم وأحياناً يُسكرهم وتربَّينا على ذلك وعشنا عقوداً، ولم تنفع تحذيرات بعض الواعين والمدركين وأصحاب الحكمة والمواقف القومية والإنسانية.
لكن للأسف لم يستطع كلّ هؤلاء أن يوقفوا المَحدلة النرجسية التي كانت تنفخ ببوقٍ يُرضي الغرور والعُجْب فبقيتْ الغلَبة بـ «أننا شعبٌ ليس كالشعوب» ولعلّ ذلك يتماهى مع مقولة شعب الله المختار أو مجد لبنان أُعطي له!
واليوم وفي ظلّ ما يُصيب دولاً كثيرة، فإنّ مُصيبة اللبناني مضاعفة لأنه تربَّى على فَرادته وتميّزه فإذا به يكتشف أنه كالبشر الآخرين يصيبه ما يُصيبهم ويقع عليه ما يقع عليهم، وأنّ المُقوِّمات الإقتصادية الضرورية لكلّ بلدٍ ومنها الزراعة والصناعة والاستقلالية والاعتماد على الذات عندما تُهمل سوف يكون لها أثمانٌ باهظة.
ونحن اليوم ندفع وسوف ندفع غالياً ثمن هذا الاستعلاء.
أيها اللبنانيون
إنّ كلّ هذه السياسات الخاطئة والمخترعة ربما نفعت بَعضكم في أيام الرخاء والسراء عندما كان لبنان حاجةً للسياسة الغربية فنفخ «كيانات» كالمصارف والمدارس والمستشفيات والكازينو والمرفأ وشركة الطيران الحصرية والمؤسسات السياحية «والفنية» بأنواعها وأشكالها وبأسرارها وعيوبها وسقطاتها وخفاياها وابتذالها.. والتي كانت أشبه وبدون أدنى مبالغة بمافيات دولية أو إقليمية حقيقية.
لكن كلّ هذا لن ينفعنا في أيام الضراء والأزمات الحقيقية بل سوف تكون له ردود فعلٍ مفاجئة ومؤلمة.
وإنْ لم يَستدرك اللبنانيون تلك التربية المريضة فيتواضعوا ويتداركوا ويُسارعوا للتكيُّف والإصلاح فسوف يتلمَّسون أنّ سراب الصحراء لا يروي عطش الظمآن.