اتفاقية الغاز… ضربة أخرى للمشروع الوطني

راسم عبيدات

من الواضح أنّ هناك شللاً وخللاً كبيرين في المؤسسات القيادية الفلسطينية، على مستوى المنظمة والسلطة، حيث يتمّ التلاعب بالمصير والقرار الوطني والقضية الفلسطينية من قبل حفنة من الأفراد، من خلف ظهر تلك المؤسسات التي أصبح دورها لا يتعدى دور المراقب أو الشاجب والمستنكر، من دون اتخاذ أي مواقف عملية لوقف حالة التدهور والانهيار والعبث. كذلك هو حال الفصائل الفلسطينية، التي يبدو أنّ جزءاً منها يخشى على وجوده ومصدر تمويله ورزقه، والجزء الآخر أزماته أكبر من أن تسمح له باتخاذ إجراءات وتحركات عملية على الأرض.

بدا الخلل القيادي واضحاً من خلال المشروع الفلسطيني الذي قدم في أواخر العام الماضي إلى مجلس الأمن الدولي من أجل تحديد سقف زمني لاحتلال «اسرائيل» الأراضي الفلسطينية المحتلة حتى حدود عام1967، حيث قدم باللون الأزرق وترك الباب مفتوحاً من لإجراء التعديلات عليه حذفاً وإضافة، لكي ينال رضى أميركا بطلب ورغبة غربية، لكي يصبح المشروع أقرب إلى المشروع الفرنسي. لم يبق من المشروع ما يدل على فلسطينيته سوى الاسم، ورغم ذلك لم تستطع السلطة الفلسطينية تمريره أو إخضاعه للتصويت في مجلس الأمن، ما عكس فشلاً ديبلوماسياً وسياسياً.

اكتفت القوى التي رفضت المشروع، وكذلك الهيئات كاللجنة التنفيذية للمنظمة واللجنة المركزية لحركة فتح، ببيانات الشجب والاستنكار، لكي تمرّ القضية وكأنّ شيئاً لم يكن. واليوم جرت عملية توقيع اتفاقية لشراء الغاز من دولة الاحتلال، والموقعون عليها هم بلغة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي «مجموعة من السماسرة والمنتفعين». وإذا كان هذا توصيف عباس زكي لهم، فهل قام هؤلاء بالتوقيع على اتفاقية مع دولة الاحتلال لمدة عشرين عاماً تقضي باستيراد 4.75 مليار متر مكعب من الغاز وبسعر 1.2 مليار دولار من دون موافقة أصحاب القرار في السلطة، أم أنّ من هم في قمة الهرم السلطوي شركاء في تلك الصفقة التي تضرب المشروع الوطني الفلسطيني في العمق؟ في المنظور السياسي، لا نستطيع توصيف ذلك سوى بأنه مقايضة لمجموعة سماسرة ومنتفعين، تسهيلات اقتصادية واحتكارات لمجموعة لا يعنيها المشروع الوطني من بعيد أو قريب، بل تعنيها الاستفادة من هذا المشروع الاستثماري، في وجود «سلطة أوسلو» من أجل تنمية شركاتها واحتكاراتها.

قبل فترة ليست بعيدة، كانت هناك لقاءات ومؤتمرات وتحركات في رام الله من أجل دراسة كيفية الردّ على قرصنة «إسرائيل» أموال الضرائب الفلسطينية، لكنّ تلك اللقاءات والتحركات لم تأتِ في سياق أو إطار خطة أو استراتيجية وطنية شاملة لمقاطعة المنتوجات والبضائع «الإسرائيلية» ذات البديل الوطني أولاً، أو فكّ علاقة التبعية مع الاقتصاد «الإسرائيلي»، بل جاءت كخطوة تكتيكية الهدف منها الضغط على حكومة الاحتلال للإفراج عن أموال الضرائب الفلسطينية. كانت ترجمة تلك الخطوة على الأرض ضعيفة، كون وكلاء التوزيع والتسويق للشركات «الإسرائيلية» المستهدفة وفي مقدمتها «تنوفا»، «شتراوس»، «أوسم» وغيرها، هم من النافذين والمحميين من أعلى قمة الهرم السلطوي، وبين هؤلاء الوكلاء رئيس بلدية لمدينة في الوسط وزير سابق. وقد أراد البعض التوجه إلى مجلس الأمن الدولي من أجل استصدار قرار ينهي وجود الاحتلال، في إطار الضغط وتحسين الشروط للعودة إلى مسار التفاوض مجدداً، وهذا يعكس حالة التخبط والإرباك في الساحة الفلسطينية، وغياب الرؤية والاستراتيجية الموحدة، والشلل والعجز في المؤسسات القيادية منظمة وسلطة.

رفضت خمس فصائل فلسطينية يسارية اتفاقية الغاز وقالت إنها تمت من خلف ظهر الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، مشيرة إلى أنّ هذه الاتفاقية تمتد لعشرين عاماً قادمة، ما اعتبرته استهتاراً واضحاً بالجهود التي تمّ التوافق عليها وطنياً، والتي تدعو إلى التوجه إلى المجتمع الدولي من أجل تحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال بما لا يتجاوز العامين وليس العشرين عاماً، هذا إلى جانب أنّ الاتفاقية، وفق نصوصها، تفسح المجال أمام الشركات «الإسرائيلية» المصدرة للغاز لتصبح مساهمة في محطة توليد كهرباء جنين، لتوليد الطاقة في مناطق شمال الضفة الغربية، وهي تؤدي إلى تعميق تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد «الإسرائيلي»، بينما المطلوب تعزيز مقومات استقلاله.

لا أرى أنّ من وقع على تلك الاتفاقية بلغة عباس زكي هم شلة من السماسرة والمنتفعين، معزولين عن قمة الهرم السلطوي، فـ»إسرائيل» لا توقع اتفاقية غاز بهذا الحجم وهذه الضخامة مع مجموعة أن جي أوز ، بل إنّ هذا التوقيع تمّ بموافقة الحكومة، والفصائل التي رفضت ودعت إلى إلغاء اتفاقية الغاز يجب أن لا تكتفي بالبيان كرفع عتب أو تسجيل موقف، فهذه الإتفاقية المخزية والمذلة تصيب المشروع الوطني الفلسطيني في العمق، والحكومة التي وقعت يجب العمل على إسقاطها قبل أن ترهن مستقبل الشعب الفلسطيني بدولة الاحتلال، والمسألة ليس في اتفاقية الغاز، بل هناك نهج سياسي يواصل توجيه الإهانات إلى المشروع الوطني الفلسطيني ويجعل هذا المشروع فريسة لكلّ السماسرة والمرتزقة والمنتفعين، ومن دون محاسبة جادة لمن يوجهون اللطمات المتتالية إلى مشروعنا الوطني، فإننا سنشهد مزيداً من الانهيارات في قمة الهرم السياسي أو القرار الفلسطيني، منظمة وسلطة وأحزاباً.

صفقة الغاز جزء من فساد متراكم، ملفات تتراكم عند ما يسمى بهيئة مراقبة الفساد لعدد من رموز السلطة وقياداتها ووزرائها السابقين واللاحقين،لا يجري فتحها بل يجري التستر عليها وترحيلها، وأموال عامة تهدر بملايين ومئات الملايين، تهريبات ضريبية لنافذين، بإمكانها أن تحل أزمة الرواتب، والجماهير والأحزاب والفصائل، بما فيها فتح تقف موقف المتفرج والناقد.

المطلوب استراتيجية فلسطينية تطهر المجتمع والسلطة من كلّ دعاة الفساد والفاسدين والمتورطين فيه، من الذين لا يرون في السلطة سوى مشروع استثماري يخدم مصالحهم وامتيازاتهم، والعمل على صياغة بديل وطني موحّد في كلّ المجالات والميادين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وتعليمياً.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى