«المعارضة المسلحة المعتدلة» و«داعش» المؤجّلة

د. سليم حربا

كعادته يتحفنا العم سام دوماً بمفردات ومصطلحات ونتاج مزارع ذرائعه و«أمبلاج» عبواته المحشوة سماً والمغلفة دسماً كحروب الحرية المطلقة في فييتنام وأفغانستان والعراق وليبيا، لتحريرها من شعوبها، أو ما أطلق عليه الأسلحة الذكية والحروب الناعمة والعقوبات الذكية والغبية والإرهاب الخشن والناعم.

منذ أربع سنوات يُصرّ العم سام على إطلاق كذبة القرن الواحد والعشرين ونكتة العصر ويكرّرها كلّ عام لتكون نكتة الموسم تحت مسمّى «المعارضة السورية المسلحة المعتدلة» ليختزل الأعوام والشهور والأيام كلها بأول نيسان، ويلومنا إذا قلنا إنّ شرّ البلية والبرية ما يضحك!

هذه الفانتازيا وهذا السراب الذين بحث عنهما أربع سنوات، فلم ولن يجدهما وما زال يجتّر مواقفه، رغم أنّ كلّ ما زرعه وسمّده من ذلك البذار حتى نما، تكدّس في بيادر «داعش» والنصرة غلالاً وسلاحاً وقتلاً، من جيل البذار الإرهابي الأول الجيش الحرّ وصولاً إلى كلّ البذار الهجين والمُحسّن كـ»جيش الإسلام»، وما فات وما هو آت من أبناء وبنات ومسميات وفصائل ووحدات وقطعان «الإخونجية» والوهابية التي نمت في سهول تركيا ورياض السعودية ودوحات قطر.

ولأنّ الأمريكي بارع في أفلام الكاوبوي وهوليود وحلبات السيرك، فهو يُصرّ على أنه قادر على ترويض أكلة لحوم البشر وتحويلهم إلى معارضة مسلحة معتدلة، ضارباً بعرض حائطه اللغة والقانون وأدبيات السياسة التي لا تقبل هكذا مصطلح.

يدرك الأميركي ويعترف بأنّ «دواعشه» و«نصرته» كانا في عرفه فيما مضى حالة ثورية يقودها القرضاوي ويحمل رايتها البغدادي والجولاني وعلوش، وأنّ مَن راهن عليهم من معارضة معتدلة وأمدهم بإكسير حياة وبقاء، انقادوا بطبعهم وطبيعتهم وجيناتهم قبل وبعد فطامهم إلى أمهاتهم وآبائهم «الداعشيين» بما معهم وما لهم وما عليهم. الأميركي مأخوذ بالنعجة «دوللي» وهو يريد الاستنساخ، ولم يعتبر من إعدام الصحفيين وإحراق الكساسبة وحادثة «شارلي إيبدو» وجريمة ذبح المصريين في ليبيا وإحراق الأحياء في عدرا العمالية ودفن الأحياء في جسر الشغور وشلالات الدم من الشعيطات والبو نمر. إنها فخر الزراعة الأميركية في حقول الإرهاب، وفخر صناعتها في مختبرات إنتاج العبوات الغير صالحة للاستهلاك البشري والسياسي، فالأميركي يُفسر الإرهاب بعد الجهد بالإرهاب، ومهما حاول وناور وداور وفكّك وركّب لن يكون إلا أمام «داعش» مؤجّل كـ»داعش» المعجّل، ولن تكون المعارضة المسلحة المعتدلة إلا فلولاً أفلست من «داعش» و«النصرة» وملحقاتها، تلتقي مع أميركا على مبدأ الغاية تبرّر الوسيلة.

إنّ العذر الأميركي بأنّ هذه الطرزانات من المعارضة المسلحة المعتدلة ستحارب «داعش» الأم وتهزمها هو أقبح من ذنب وأكبر من جريمة وتكرار لجريمة أميركا في هيروشيما باستخدامها سلاح التدمير الشامل، وها هي تدعم وتستخدم فكر التدمير الإرهابي الشامل. ألم تتألم أميركا من أحداث الحادي عشر من أيلول لتتعلم؟ ألم يحن الوقت لتعقل ولو لمرة واحدة منذ الحرب العالمية الثانية وتتحرّر من قلنسوة الحاخامات وعقالات المشيخات وطرابيش العثمانيين، وتعطي تمثال الحرية الفرصة ولو مرة ليتحدث بحرية؟

لقد انتهى عصر النكات والكذب والفانتازيا، ورياح الميدان تحركها أقلام وعقول وأقدام المقاومة والجيش السوري وها هي تجرف وتجفف مستنقعات الإرهاب الآسنة وتحطّم مراكب الهيكل ومواكب الباب العالي. إنه زمن أصحاب العصر الذين يصنعون النصر ويرسمون بالعربي الفصيح والإسلامي الصحيح والصوت الصريح مصير المنطقة والعالم القائم والقادم، الذي لن يكون فيه إرهاب متطرف أو معتدل ولا معارضة معتدلة أو معتلّة ولا «دواعش» معجّلة أو مؤجّلة ولا جيوش لحد إسلاموية أو عثمانية. ومن لم يكن مع محور المقاومة حيث يجب أن يكون، فلن يكون له مكان في التاريخ، وسيكون عبئاً على الجغرافيا وخاسراً وقاصراً عن اللحاق بالمستقبل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى