الأزمة الأوكرانيّة بين ضرورة خلق «عدو» للولايات المتحدة والغاز
} نزار عثمان
تتخذ الأحداث المتتالية في ما يعني أوكرانيا شكل الأزمة الدوليّة، وهي التي وصفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ»الأنشطة الاستفزازية الخطيرة»، في المقلب الآخر انتقد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في محادثات جمعته مع نظيريه الفرنسي جان إيف لودريان والألماني هايكو ماس ما سمّاه «الحشد الروسي» هناك، والإعلان عن ضرورة إنهاء هذا التحشيد. فضلاً عن هذا أعلن عن أنباء عن توجّه سفينتين حربيتين أميركيتين إلى البحر الأسود، مروراً بالقمة التي جمعت الرئيسين التركي والأوكراني وما نتج عنها، وصولاً إلى إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن عن حاجته إلى 715 مليار دولار لمواجهة الخطرين الروسي والصيني، وأخيراً زيارة وزير الدفاع الأميركي لتل أبيب ضمن جولة تشمل بريطانيا وألمانيا ومقر حلف شمال الأطلسي في بروكسل.
ماذا وراء كل هذه الأحداث، وهل هناك من خيط يربطها أبعد من التحشيد الروسي على الحدود مع أوكرانيا، وهذا الدعم الدولي (الأميركي – الأوروبي – التركي) لأوكرانيا؟ هل من علاقة لأنابيب الغاز تورك ستريم ونورد ستريم2 في هذا التوتر القائم؟
قد يجدر البدء بالولايات المتحدة، التي طالب رئيسها على ما أسلفنا بمبلغ فاق الـ700 مليار دولار من الكونغرس لمواجهة الخطرين الروسي والصيني، وكان قد سبق لبايدن أن طالب بألف مليار دولار لمواجهة أزمة كورونا في بلاده، ما يعكس الحالة الداخلية المأزومة التي تعيشها الولايات المتحدة على مستوى الاقتصاد، فضلاً عن الانقسام والتشرذم الاجتماعي. ومع الأخذ بكلام وليام بيرنز منذ فترة بما معناه أن أميركا لن تستطيع العودة الى ما كانت عليه من مكانتها الدولية كقطب أوحد مسيطر في المدى المنظور، نجد أن رفع حدة العداء لروسيا ومن ثم الصين قد يشكل ضرورة بالغة الأهمية تمخّضت عنها مدة أول 100 يوم من عمر ولاية بايدن، فاستدعاء العداء والتحشيد الإعلامي وما ينتج عنه من تحشيد جماهيري ضد روسيا بما تمثل في ذاكرة الأميركيين من إرث عداء مستحكِم للاتحاد السوفياتي في الماضي قد يمثل قطب رحى في توحيد الأميركيين المنقسمين أمام عدو خارجيّ، هذا فضلاً عن موضوع ما أثير سابقاً من تدخلات روسية في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي أوصلت ترامب للسلطة، وما لحقه من تعاون خفي ربطه مع الروس، بحسب ذلك الزعم، وجعله بحسب جزء من الرأي العام الأميركي ينفذ أجندات يمليها عليه بوتين، من ثم، فمطالبة بايدن بهذا المبلغ، فضلاً عن مطالبته السابقة بـ 1000 مليار دولار، يظهر المدى الذي وصلت إليه الولايات المتحدة، كما قد يظهر ماهية السياسات والاستراتيجيات التي سيتبعها بايدن في خططه المتوسطة والبعيدة المدى. وهنا يكمن الحديث عن الغاز.
والحديث عن الغاز يجر رأساً إلى مستويين الأول تورك ستريم ونورد ستريم 2، والطموح التركي بأن تتخذ شكل البوابة لأوروبا في ما خص إمدادها بالغاز من منتدى دول شرق المتوسط ومن الخليج الفارسي بطريقة أو بأخرى، ومن هنا يمكن أن تتضمن إحدى القراءات لزيارة وزير الدفاع الأميركي للكيان الصهيوني ومقر الأطلسي بالإضافة الى بريطانيا والمانيا، فهل من وعود أميركية داعبت طموحات رجب طيب أردوغان بجعل تركيا حلقة الوصل في خط أنابيب الغاز التي تزوّد أوروبا؟ وهل من الممكن ان يكون الرئيس التركي قد التزم بكلام أحد المسؤولين الأميركيين في ادارة بايدن أن على تركيا ان تحسم خيارها، فلا يمكن لها ان تكون حليفة لواشنطن في الوقت الذي تكون فيه على علاقة وفاق مع موسكو؟ أم أن الدور التركي سيمثل مسك العصا من الوسط، في سعي لحلحلة الأمور بطريقة أو بأخرى. وهذا ما يمكن أن يقرأ من كلامه في مباحثاته مع الرئيس الأوكراني، أن ما تقوم به تركيا ليس ضداً لأي طرف ثالث – والمعني هنا روسيا – ؟ وأخيراً ومع التوافق الألماني مع الإجراءات والاحداث الاميركية هل التزمت المانيا ومن ورائها الاتحاد الأوروبي بالأجندة الاميركية؟ يطرح التساؤل عن الكيفية التي ستؤول إليه الأمور في ما يعني نورد ستريم 2؟ وضخ الغاز باتجاهها من قبل روسيا.
أما زيارة أوستين الأخيرة، مع ما ذكر من ربطها بالمفاوضات حول الملف النووي الإيراني، فهل يمكن أن تكون حملت في طياتها أحد أمرين: الأول التوافق مع الكيان الصهيوني على تسهيل إمداد الغاز إلى أوروبا من دول شرق المتوسط، أو ربما السعي للتدخّل بما يشبه الوساطة في الأزمة الأوكرانيّة الحالية؟
أما الكيفية التي ستتخذها الأمور فيما يعني الدونباس وأوكرانيا؟ وهل ستتمدد لتتخذ شكلاً عنفياً عسكرياً، مع ما فيه من حصار لروسيا ولعب في الحديقة الخلفية لها، فهذا ما قد تنبئ به الأيام والاسابيع المقبلة.