أورهان باموك: أردوغان لا يأبه للديموقراطية وحقوق الإنسان تنتهك يوميّاً
يعكف الكاتب التركي أورهان باموك، من منزله المطل على البوسفور، على وضع رواية جديدة عن مدينة اسطنبول، من دون أن يغفل في الوقت نفسه متابعة التطورات السياسية في بلده. وحين وافق الكاتب الكبير حامل نوبل للآداب عام 2006 على إجراء مقابلة صحافية اشترط ألا يقتصر الحديث على معارضته لسياسة رجب طيب أردوغان، قائلاً: «ما يقلقني هو هذا النوع من المقابلات التي يدور فيها الحديث عن السياسة على مدى عشرين دقيقة وعن الكتب نصف ساعة، لكن في المحصلة لا يبقى من المقابلة سوى دقيقة واحدة في الأدب في مقابل عشرين دقيقة في السياسة».
يشرع باموك بالحديث عن كتبه، بدءاً بروايته الاخيرة «شيء غريب في رأسي» التي نشرت العام الفائت وما زالت قيد الترجمة. يقول: «إنها قصة بائع جوال يبيع البوظة، وهو مشروب تركي ساخن مصنوع من اللبن ومرتبط بنظرة رومنسية للحياة العثمانية، والهدف من هذه الرواية وصف الحياة اليومية في اسطنبول على مدى أربعين عاماً وتتبع تطورها». وينطلق لسان الكاتب حين يتحدث عن اسطنبول، فمذ أنهى رواية «جودت بك وأبناؤه» في عام 1982، أضحت المدينة محور قصصه. يقول: «كانت اسطنبول على مدى تلك الأعوام كلها ورشة كبيرة»، فالمنازل الخشبية التي عاينها في طفولته أتت عليها الحرائق، وأبدلت بمنازل اسمنتية سرعان ما أزيلت هي الأخرى لترتفع مكانها أبراج شاهقة. ويضيف: «لم أعد أعرف من ملامح اسطنبول سوى البوسفور ومساجدها ومعالمها الأثرية».
ويصف تطور المدينة بأنه صفحات حضارية تمحو الواحدة منها إثر سابقاتها لتعاد وتمحى بدورها.
يغوص باموك في الحديث عن السياسة في تركيا التي يتنازعها الانتماء الى آسيا والانتماء إلى أوروبا، والتقليد في مواجهة الحداثة، والإسلام في مقابل العلمانية. ويستعيد مقولة شائعة عن تركيا: «إنها باخرة تبحر الى الشرق وعيون ركابها تحدق إلى الغرب»، ويقول «عامة، لم يتغير هذا الأمر». ويوجه انتقادات إلى الرئيس رجب طيب أردوغان قائلاً: «في السنوات الخمس أو الست الأولى من حكمه كان يغازل الاتحاد الاوروبي تجنباً لوقوع انقلاب عسكري عليه، لكنه بعدما تمكن من الحكم تراجع اهتمامه بالديموقراطية». ويكشف إن لدى عودته العام الماضي من الولايات المتحدة حيث كان يلقي دروساً في جامعة كولومبيا في نيويورك شعر «بمناخ من الخوف» أرجعه إلى أجواء الانقلابات العسكرية التي شهدتها تركيا بين الستينات والسبعينات من القرن العشرين. ويضيف: «لا يوجد في تركيا سوى ديموقراطية انتخابية، أما حقوق التعبير وحقوق الإنسان فتنتهك يومياً».
لكنه يرى أن الاحتجاجات التي شهدتها بلاده عام 2013 تؤذن ببدء انحسار الحكم الراهن، مضيفاً: «تبددت أسطورة الاسلام السياسي ورونقه».
يتخذ أورهان باموك مواقف تعرضه للمتاعب في بلده، منها موقفه من المجازر المرتكبة في حق الأرمن في الحرب العالمية الأولى، ففي عام 2005 أدلى بتصريحات جريئة حول هذا الموضوع سببت له ملاحقة قضائية من السلطات التي ترفض الاعتراف بأن المذابح التي وقعت في عهد السلطنة العثمانية كانت أعمال إبادة، وتلقى تهديدات بالقتل. يقول: «اليوم بات ممكناً الحديث بشكل صريح أكثر عن هذه القضية».
بالعودة إلى الأدب، يشدد أورهان باموك على أن روايته الجديدة ستكون عن اسطنبول، موضحاً: «لكن هذه المرة سأكتب رواية قصيرة. سأكسر قلوب قرائي المخلصين، سنرى ماذا سيحصل»