برنامج حزب الخضر الألمانيّ إذا وصل إلى السلطة
بدأ حزب الخضر معركته الانتخابية باختيار مرشحته الرئيسة المشتركة، أنالينا بيربوك، للمنافسة على منصب المستشارية. وقد أوضح الحزب أنه يريد الوصول إلى السلطة.
ولأول مرة في تاريخهم وصل الخضر إلى الحكم في ألمانيا من خلال ائتلاف حكومي مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي بين عامي 1998 و2005، بشكل مفاجئ وغير متوقع ومن دون أن يكونوا مستعدين لذلك، حيث لم يحصلوا على أكثر من 6.7 بالمئة من أصوات الناخبين في انتخابات عام 1998، فعانوا من بعض العثرات. لكن الآن وبعد 23 عاماً من تلك التجربة، فإن الوضع مختلف تماماً بالنسبة إليهم، وشعبية الحزب مستقرة عند أكثر من 20 بالمئة في استطلاعات الرأي.
وخلال السنوات الأخيرة أزال حزب الخضر كل الحواجز التي كان يمكن أن تعيق دخوله في ائتلاف حكومي مع جميع الأحزاب، باستثناء حزب البديل من أجل ألمانيا، اليميني الشعبوي. ويشارك الحزب في ائتلافات حكومية مختلفة في العديد من الولايات، باستثناء الائتلاف مع حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي في ولاية بافاريا. ومنذ مدة طويل لم يعُد حزب البيئة يقتصر في تحالفه على الحزب الاشتراكي، ولم يكن الخضر مرنين ومنفتحين على الآخرين مثلما هم عليه الآن.
مَن حضر مؤتمرات حزب الخضر في الماضي وتابع النقاشات الحامية لساعات طويلة والفوضى العارمة في المؤتمر، سيفتقد ذلك تماماً الآن. فالخضر لم يكونوا موحدين ويقفون خلف قيادتهم كما هم الآن، ويتجنبون المهاترات السياسية والتهجم بصورة غير لائقة على خصومهم السياسيين. وإنهم يركزون تماماً على مواقفهم وسياستهم باهتمام كبير، بحيث يتجنبون ارتكاب أي خطأ في طريقهم إلى السلطة.
من حيث المضمون، وكما هو الحال منذ تأسيس الحزب قبل 40 عاماً، تبقى حماية البيئة الموضوع الرئيسي للخضر، وقبل كل شيء مكافحة التغير المناخي. وقد صاغ الحزب برنامجه الانتخابي مثل ما يتوقعه ناخبوهم: هو يريد خفض الانبعاثات الغازية بنسبة 70 في المئة حتى عام 2030، وهي خطة طموحة وأكبر مما تريده الحكومة الحالية، التي تريد خفض الانبعاثات بنسبة 55 في المئة حتى ذلك الحين. ويحتاج تحقيق هذا الطموح تسريع عملية التحول إلى الطاقة النظيفة ومصادر الطاقة المستدامة وزيادة كبيرة في عدد السيارات الكهربائية. وصحيح أن كل الأحزاب تريد ذلك، لكن الخضر سيبذلون جهداً كبيراً من أجل تحقيق هدفهم، فالبيئة محور سياستهم.
مع حزب الخضر ستكون هناك استمرارية في السياسة الخارجية الحالية، فهم وكما معظم الأحزاب الأخرى يعولون كثيراً على أوروبا وإعادة تقوية الاتحاد الأوروبي وتعزيز موقعه، وإحياء العلاقة بين ضفتي الأطلسي. وصحيح أنه لا تزال هناك مجموعة داخل الحزب ضد الحلف الأطلسي وتريد الخروج منه، فإن قيادة الحزب والغالبية العظمى من أعضائه ضد ذلك. لكن الخضر يختلفون في الموقف من روسيا والصين، فهم ضد مشروع أنابيب الغاز «نورث ستريم 2» المثير للجدل والذي تؤيده وتدافع عنه حكومة المستشارة ميركل. كما أنهم يدعمون وبشكل علني المعارضة في روسيا والصين وبيلاروسيا. لذا يمكن توقع موقف واضح وصريح منهم تجاه الصين في ما يتعلق بأقلية الإيغور.
في ما يتعلق بالسياسة الاجتماعية والاقتصادية، يراهن الخضر على دور كبير للدولة وزيادة الإنفاق الحكومي. ففي برنامجهم الانتخابي، الذي سيتم إقراره بشكل رسمي في مؤتمر الحزب في شهر حزيران المقبل، هناك الكثير من البرامج والمشاريع المكلفة جداً، مثل تلك المتعلقة بمن يغيرون مهنتهم والمتعلقة بزيادة الرقمنة في كل أنحاء ألمانيا والاستثمارات المستدامة. لكن كيف يمكن تحقيق كل ذلك وخزانة الدولة فارغة بعد انتهاء جائحة كورونا؟ هذا ما ليس واضحاً حتى الآن.
ناهيك عن كيفية تحقيق هذه الأهداف في حال الدخول في ائتلاف حكومي مع الاتحاد المسيحي، الذي يريد العودة بأسرع ما يمكن إلى سياسة عدم الاستدانة والميزانية المتوازنة. لذلك فإن حزب الخضر دائماً يطرح مسألة زيادة الضرائب على أصحاب الدخل المرتفع، وهو ما يصعب تحقيقه في ائتلاف حكومي مع الاتحاد المسيحي (حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، وحزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي).
في ما يتعلق بالسياسة الاجتماعية يعول حزب الخضر على المساواة بين الجنسين ومكافحة معاداة الأجانب والعنصرية. كما يريد الخضر المساهمة في التقليل من الاستقطاب في البلاد. وهذا ليس سهلاً، حيث الآن يعتبر كثيرون من ساسة الحزب مثل كلاوديا روت، نائبة رئيس البرلمان الاتحادي (بوندستاغ) مكروهين ومستهدفين من اليمنيين.
ما يمكن أن يساعد قيادة الحزب، التي ليست لديها خبرة حكومية كافية، هو الأساس الداخلي المتين للحزب مثل الكتلة البرلمانية في البوندستاغ وبرلمانات الولايات. وبوجود أشخاص مثل الخبير في السياسة الخارجية النائب أوميد نوري بور، والخبيرة في الشأن الأوروبي فرانسيسكا برانتنر، ومديرة الكتلة البرلمانية بريتا هاسلمان، لديهم خبرة واسعة وأعصاب قوية؛ هذا بالإضافة إلى رئيس الحزب ووزير الخارجية الأسبق، يوشكا فيشر الذي تلجأ إليه قيادة الحزب وتستشيره حتى الآن، فلا ينقص قيادة الحزب شيء لتتولى مسؤولية الحكم.
إذا استطاع حزب الخضر الدخول في ائتلاف حكومي سواء كشريك أصغر أو الوصول إلى دار المستشارية، فإن الخضر سيرون كيف يتم إغلاق آخر محطة للطاقة النووية في ألمانيا وهم في سدة الحكم وسيكونون قد حققوا النصر في معركة طويلة خاضوها منذ تأسيس حزبهم. هذا وارد جداً، لكن يجب عدم النسيان أيضاً أن خضر اليوم براغماتيون، كما يبدون.