«مئويّة الإبادة الأرمنيّة» كتاباً توثيقيّاً لمجازر العثمانيين
مقدمة كتاب «2015 مئوية الإبادة الأرمنية» لمؤلفه سمير عربش، بقلم الدكتور نبيل طعمة، تصف الأرمن بالشعب التاريخي الموغل في القدم والذي ساهم في إنجاز الحضور البشري وصناعة تاريخه منذ المملكة الأورورارتية التي ضمت جبال الشرق القديم. ويرى طعمة أن أسطورة بيل وهاييك، وهي اسم البلاد الأرمنية وتعني الحاج أو الحفيد الأسطوري لنوح النبي، منشئ الأمة الأرمنية، تمنحنا فكرة عن الشعب الأرمني وحضوره الشرقي القديم في آسيا الوسطى والصغرى. ويوضح طعمة في قراءته أن المؤلف سمير عربش انطلق في تأريخ الإبادة الأرمنية من مرحلة تداعي السلطنة العثمانية عندما حاولت إبادة الشعب الأرمني وتنفيذ مقررات مؤتمر سالونيك عام 1910 بتحريض من حزب الاتحاد والترقي، استنادا إلى فكره العنصري القائم على التتريك أو التطهير العرقي أو الديني بذريعة توحيد الشعوب الطورانية المنتمية إلى العرق الأورالي الطائي واختصاره طوران، هو إقليم غامض وسط آسيا لا أصول له ولا جذور.
ويلفت طعمة إلى أن الشعب الأرمني تعرض لأقسى أنواع القهر والصراعات العنيفة، بدءاً بالمجزرة الرهيبة عام 1915 التي ذهب ضحيتها مليون ونصف مليون أرمني، ثم احتلال الأتراك بقايا مملكة كيليكيا وعاصمة الاسكندرون ضمن الأرض التاريخية السورية التي كان يسكنها عدد كبير من الأرمن. ويشدّد على ما وصفه الكاتب عربش بأسوأ حالة في تاريخ القرن العشرين أو الأبشع في تاريخ البشرية برمته، وهي جريمة الإبادة الأرمنية التي بدأت بعد انكشاف التحالف الشوفيني بين الطورانية والصهيونية بهدفين مشتركين يتمثلان في محو سائر الأرمن والعرب من الوجود بالأسلوب نفسه عبر عمليات التطهير المذهبية والطائفية. ويشير طعمة إلى أن سياسة الإبادة المرتكبة في حق الأرمن التي اتبعها سلاطين بني عثمان بدأت قبل أكثر من ثلاثمئة عام، لكنها تفاقمت خلال حكم السلطان العثماني عبد الحميد الذي لقب بالسلطان الأحمر لفظائعه، إلى أن بلغ ذروتها عام 1915 على يد الاتحاديين، معتبرا أن الأعمال الإرهابية التي تعرض لها الأرمن في مدينة كسب حديثاً ودور حكومة رجب طيب أردوغان الواضح فيها حلقة جديدة من حرب الإبادة والتهجير في حق هذا الشعب.
يقدم الكاتب عربش في مؤلفه أسساً منهجية توثق لمعطيات البحث، إضافة إلى الصور والوثائق التي تعرض لحجم القتل والتنكيل الذي تعرض له الأرمن. كما يسلط الضوء على ما أقدم عليه أطباء أتراك من جرائم ضدّ الأطفال، وأعمال الخطف والاغتصاب الممنهجة التي طالت النساء والفتيات الأرمنيات، فضلاً عن تبيان واضح للمخالفات والمغالطات التاريخية في حق الأرمن والآثار الحضارية والتاريخية التي تدل على وجودهم الثقافي والحضاري في المنطقة.