الكوميديا السوريّة تنتظر كتّابها المبدعين
بسّام موسى
بتنا نترحّم اليوم على الكوميديا السورية أيام زمان، أيام الأسود والأبيض. كان في ذلك الزمان الجميل، الذي لا يتكرر، كبار نجوم الكوميديا، بدءاً بالثنائي نهاد ودريد، مروراً بجيل طويل وأسماء كثيرة، والقائمة طويلة.
كانت الكوميديا السورية تمتع وتبدع حقاً، وتركت بصمات لا تنسى لسنوات مقبلة. وقدم إلينا جيل كبير عشرات الأعمال التي أضحكت المشاهد السوري والعربي. كان نجوم ذلك الزمن يعملون حباً الفن الأصيل، ورغم قلة الإمكانات والفقر إلاّ أن الأعمال كانت ممتعة وفيها فن أصيل وإبداع. لا أحد ينكر أن للدراما الكوميدية السورية فضلاً على الكثير من الفنانين الذين صاروا في ما بعد نجوماً. خرّجت عدداً واسعاً من الأسماء ولم يقتصر فن الضحك على التلفزيون والمسرح الجوّال ومسرح «الشوك»، بل انتقل إلى عالم السينما فأُنجزت عدة أفلام كوميدية مشتركة سورية ومصرية ولبنانية حظيت بنجاح كبير.
منذ ظهور الفضائيات العربية مطلع التسعينات من القرن الفائت انتشرت المسلسلات السورية بجمع ألوان الطيف، وشاهدنا عدة أعمال كوميدية سورية حققت نجاحاً باهراً مثل سلسلة «عيلة 8 ـ 7 ـ 6 ـ 5 نجوم» وسلسلة «مرايا» و»أنت عمري» و»عودة غوار» و»الدغري» و»الخربة» و»بطل من هذا الزمان» و»عربيات» و»عشنا وشفنا» و»شوفوا الناس» و»مدير عام» و»بقعة ضوء» و»شاميات» و»ضيعة ضايعة» وغيرها.
السؤال ماذا تغير؟ لمَ تراجعت الكوميديا السورية وأمست هزيلة لا تقنع المشاهد؟ ولم تحوّلت كوميديا تجارية غايتها الربح المادي بعيداً عن إمتاع المشاهد؟ ولمَ غاب النص الجيد وهل عجز كتّاب الكوميديا عن كتابة نص جيد؟ صحيح أن كتابة الكوميديا صعبة وفي حاجة إلى وقت، لكن ذلك لا يعني أن نتراجع إلى الوراء وتُرفع الراية البيضاء؟ بصراحة وشفافية، أصبحت الكوميديا السورية في مهب الرياح ولم تبق قادرة على المنافسة لعدة أسباب، كذلك حال الكوميدية العربية التي تعاني أيضاً وسوف تعاني مستقبلاً، إذ تحول كتّاب الكوميديا إلى الأعمال الدرامية التي تجذب شركات الإنتاج. يخطئ من يعتقد أن الأعمال الكوميدية السورية الراهنة التي تعرض على الشاشة هي «كوميديا». تعاني الدراما السورية غياب النص، الكوميدي تحديداً، فالفنان ياسر العظمة، «أبو المرايا»، له فضل في شهرة الكوميديا قدم «مرايا» باهتة وهزيلة العام الفائت ولم تمتع أو تقنع، إذا لدينا مشكلة ولا نعرف أين هي، بيد أنّ حلّها سهل والكرة في مرمى الكتاب وشركات الإنتاج التي لا تقدّم أعمالاً جديدة.
من تابع أعمال رمضان للعام الفائت لاحظ أن ما وصف بالكوميدي مثل «خرزة زرقاء» و»حدود شقيقة» و»شاميات» كان باهتاً وهزيلاً، الكوميديا براء منه، فلا نص مقنعاً، وأداء الممثلين باهت والإخراج ضعيف. السؤال: ماذا أفاد المشاهدون من أعمال التهريج والضحك على عقول الناس؟ إذا كانت الغاية تقديم «كوميديا» فهذا الخطأ بعينه.
هل نقول السلام على الكوميديا السورية؟ هل انتهى عصر الضحك والابتسامة؟ وإلى متى سوف نتذكر الماضي الجميل؟ العالم يتطور ويجب أن نعمل بقوة كي نعيد الكوميديا السورية إلى موقعها الطبيعي في الصدارة ونقدم أعمالاً جديدة. وعلى كتّاب الأعمال الكوميدية وهم قلّة التحرك والنشاط وتقديم أعمال ينتظرها الجمهور الذي تعوّد مشاهدة مسلسلات جميلة فيها المتعة والنقد البناء، بعيداً عن التكرار.
قدر الكوميديا السورية أن تعاني، إذ لم يعد ينتظرها المشاهد ليضحك ويزيل الهمّ عن قلبه. نتمنى أن تعود الكوميديا السورية إلى عصرها الذهبي، اليوم قبل الغد، فهي قادرة على الإبداع وإنتاج أعمال حديثة تلبي طموح الناس.