سورية والانتخابات الرئاسية… ما بين البعد المحلي والأبعاد الإقليمية والدولية
} د. حسن مرهج
استثنائية المرحلة التي تشهدها سورية، تفترض مقاربات جديدة مختلفة في الشكل والمضمون، عن بداية الحرب على سورية، أو لجهة الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2014؛ هذه المقاربات تأتي وفق عنوانين، الأول سياسي في إطار إقليمي ودولي مع جزئيات ضاغطة على الشعب السوري، والثاني اقتصادي صِرف بأبعاد ترقى إلى مستوى الحرب الاقتصادية كاملة الأوصاف والأركان.
في البعد الأول نلاحظ أنّ الحرب على سورية، وبعد إفراغ المضامين العسكرية من محتواها، وهذا أمر بات خارج المناقشة، دأبت القوى الإقليمية والدولية على هندسة واقع سياسي يكون تغطية للهزيمة العسكرية التي شاركت فيها أكثر من 100 دولة وعلى رأسهم الولايات المتحدة، وبالتالي كلّ العناوين السياسية التي جاءت ضمن أعوام 2015 وحتى عام 2020، حاولت إسقاط الدولة السورية وفق نظام سياسي إقليمي ودولي، مع تأسيس منصات معارضة للدولة السورية في كلّ دول العالم، على الرغم من أنّ منصّات الرياض وأنقرة وباقي الدول، لا تعدو عن كونها دمى لها هدف واحد وهو الصراخ ضدّ الرئيس الأسد ورمي بالاتهامات الباطلة وآخرها أنه بصدد تهيئة ابنه حافظ للمرحلة المقبلة من مستقبل سورية، ليكون رئيساً خلفاً له.
هذه الأكاذيب والألاعيب بعنوانها العريض، تمّ تفنيدها عبر كلام الرئيس الأسد في أكثر من مناسبة، وجملة ما قاله إنه شخصياً لا يطمح لأيّ منصب سياسي، وإنّ هدفه الأول والأخير إيصال سورية والسوريين إلى برّ الأمان.
في الإطار ذاته فإنّ المعارضات بمختلف أشكالها، لم تحمل مضموناً سياسياً واضحاً، ولم تحمل خطاباً يوحد السوريين، والآن بإمكان الجميع في داخل سورية وخارجها، توجيه تساؤل وحيد لأيّ سوري عن هذه المعارضات، ليقول وبشكل مباشر إنها لم تأت بخطاب سياسي جديد ولم تمنح السوريين وهواجسهم أيّ أمل، بل على العكس، فقد كانت جلّ المنصات المعارضة بمثابة حصان طروادة، ظاهره جميل لكن في مضمونه الإرهاب والقتل، حتى أنّ هذه المعارضات وعلى اختلاف توجهاتها، كانت تحاول دفع الولايات المتحدة لغزو سورية، وإسقاط الدولة السورية بالقوة. على خلاف الرئيس الأسد الذي بقي صامداً وقوياً، يحارب على كلّ الجبهات في الداخل والخارج، وتمكّن من توحيد السوريين أيضاً في الداخل والخارج، وتمكّن أيضاً من إنشاء شبكة علاقات إقليمية ودولية استراتيجية بكلّ المستويات.
البعد الاقتصادي خلال السنة الأخيرة من عمر الحرب على سورية، كان كارثياً على السوريين في الداخل، لكن جملة الإجراءات التي اتخذها الرئيس الأسد ذلّلت الكثير من مفردات هذه الحرب، وبذات التوقيت فإنّ كلّ المعارضات في الخارج والداخل لم تصدر بيان إدانة للممارسات الأميركية والحصار ضدّ سورية والسوريين، بل ظلوا في فنادقهم دون إحساس بأيّ مسؤولية تجاه وطنهم وشعبهم السوري.
ضمن السياسة والاقتصاد كان هناك بعد إعلامي هدفه استهداف الدولة السورية ومؤسساتها من الداخل، لكن حكمة السوريين وقدرتهم على قراءة عناوين الغرب الإعلامية، فقد تمكنوا أيضاً من الانتصار، رغم كل ما يعانيه الشعب السوري من حصار وضيق معيشي واضح.
الآن المرحلة مختلفة في الشكل والمضمون، بمعنى أنّ سورية ماضية نحو مستقبل جديد؛ هذا المستقبل لا يرتكز على بشار الأسد أو أحد أبنائه، بل يرتكز على شعب سوري حدّد خياره ومستقبله، وحدّد أيضاً نهجه، حتى الدول الغربية تدرك أنّ سورية بقيادة الرئيس الأسد، ستكون أقوى، وبصرف النظر عن الخطاب الإعلامي والسياسي هناك في الغرب، لكن زيارات الوفود الأمنية الغربية إلى دمشق، تؤكد ذلك.
في جانب آخر، وفي إطار التحضير للانتخابات الرئاسية، والتشويش على مناخها، برزت إلى السطح تقارير عديدة تتحدث عن صفقة روسية إيرانية تطال مقام الرئاسة في سورية، وأنّ واشنطن وأنقرة أيضاً طرفان في مثل هذه الصفقة، لكن كما جرت العادة وخلال سنوات الحرب على سورية، فإنّ أيّ كذبة سياسية أو تلفيق إعلامي يطال الدولة السورية، كان الردّ يأتي سريعاً إما سياسياً أو عسكرياً، وفي سياق ما سبق، وتكذيباً للصفقة المزعومة، فقد بدأ المسار الدستوري في سورية يأخذ مجراه، عبر الإعلان عن الانتخابات الرئاسية، فضلاً عن ترشح العديد من المواطنين السوريين لهذا المنصب، ما يعني أنّ سورية بدأت في هندسة واقع سياسي جديد، في مناخ ديمقراطي ومرشحين لديهم برامج سياسية واضحة لسورية وسوريين، فهل ترغب واشنطن وكلّ دول العدوان على سورية برؤية هذه المشهد؟ بالتأكيد والقطع فإنّ الإجابة ستكون بالنفي.
في المحصلة، تقارير أميركية عديدة تناولت الواقع السياسي الجديد في سورية، أهمّها ما تقوله المخابرات الأميركية إنّ الرئيس بشار الأسد لن يواجه منافسة جدّية على الرئاسة في أيّ انتخابات وسيفوز بأكثر من ثلثي أصوات السوريين.
وعليه، فإنّ السوريين في الداخل والخارج، يدركون بأنّ الغرب يشاهد هذا المسار الدستوري، وبذات التوقيت فإنّ السوريين سيقومون بالانتخاب رغم كلّ ما يعانونه من إرهاب اقتصادي، وعقوبات أميركية جائرة، وضيق معيشي، وبالتأكيد فإنّ غالبية السوريين يرون في الرئيس الأسد المنقذ لهم على الأصعدة كافة، لا سيما إخراجهم من هذا الواقع الاقتصادي، وتخليصهم من إرهاب أرهقهم على مدى عقد كامل.