فكرة إسقاط النظام السوري في العقل الأميركي
جمال الكندي
قالها وكانت مدوية، وإن جاءت متأخرة، لكنّ أهميتها في أنها من المعسكر الآخر، المعسكر المعادي لسورية، وعلى لسان قائد هذا المعسكر، ومحرك أزمتها ومشغل أقزامها في المنطقة لتدمير سورية على مدار السنوات الأربع الماضية. هذا المعسكر الذي ظلّ منذ الأزمة السورية يتغنى بجملة شاذة تنزع الشرعية عن الرئيس السوري بشار الأسد.
الرجل الذي أعنيه هنا هو مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق زبغنيو بريجنسكي، الذي تحدث عن الواقع الذي وصلت إليه الأزمة السورية بعد أربع سنوات، معتبراً أنّ سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية كانت خاطئة منذ البداية وبعيدة عن الصواب، مشيراً إلى أنّ الرئيس بشار الأسد يتمتع بدعم كبير داخل المجتمع السوري، سواء أعجب ذلك واشنطن أم لا. وهذا بالطبع يتناقض تماماً مع الكلمة المشهورة للرئيس الأميركي أوباما بأنّ الرئيس بشار الأسد «فقد شرعيته وعليه الرحيل»، وهذا ليس مستغرباً وقد اعتدنا على السياسات الخارجية الأميركية الماضية والحالية، ووفقاً لهذه السياسات فمن لا يدور في الفلك الأميركي هو إما إرهابي أو فاقد الشرعية، أو تقوم الإدارة الأميركية باختراع مصطلح جديد تطلقه عليه يبرّر لها التخلص منه، وطبعاً حسب الأنظمة الديمقراطية التي تفصل في البيت الأميركي وفي الغرف التابعة لها.
قالها بريجنسكي خلال مداخلة له في اجتماع لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي، ردّاً على سؤال من السيناتور جاك ريد في شأن الموقف الذي كان قد أعلنه في أيلول الماضي، حيث اعتبر أنّ دور واشنطن في الأزمة السورية يجب أن يكون محدوداً بعناية. وقال: «ما زلت على هذا الرأي»، مشيراً إلى أنه لا يفهم تماماً لمَ على واشنطن أن تساعد أو حتى تتبنى فكرة إسقاط الدولة السورية. وأضاف: «ثبتت خلال العامين الماضيين حقيقة أنّ الرئيس الأسد، سواء أعجبنا هذا الأمر أم لم يعجبنا، لديه دعم كبير في المجتمع السوري أكبر من أي من مجموعات المعارضة التي تقف ضدّه، ولا بدّ من أخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار».
وجاء كلام المبعوث الدولي استيفان ديمستورا متناغماً مع كلام بريجنسكي الذي أكد «أنّ الأسد جزء من الحلّ، بعد أن كانت أميركا تعتبر أنّ الأسد جزء من المشكلة وعليه الرحيل.
ليسمح لي المخضرم بريجنسكي أن أقول إنّ فكرة إسقاط النظام السوري في العقلية الأميركية قديمة، إنما لم تكن هناك الذريعة الكافية لإعلان ذلك والعمل في سبيله، إلى أن جاءت «الربيع العربي» فحصلت أميركا على المسوغ القانوني، وأقصد هنا القانون الأميركي الإمبريالي الذي يجيز لها التدخل في شؤون الدول لتغير أنظمتها، كما فعلت في العراق وغيرها من الدول، وكلّ ذلك يا سيدي المخضرم من أجل الكيان الصهيوني الذي يعتبر سورية العدو الأول له في المنطقة، وبزوالها تضعف الدائرة المعادية له وتقطع صلتها بقوى المقاومة في إيران وفلسطين ولبنان.
نعم إنّ كلّ هذه الأموال التي دفعت، هدفها إسقاط الدولة السورية لأنها كانت وما زالت الحاضنة الأولى لقوى المقاومة في المنطقة، وكان الربيع العربي الفرصة والحجة لتغيير نظامها بنظام آخر يرى «إسرائيل» دولة صديقة ولها حقّ الجوار، ويعتبر أنّ كلّ ما تفعله في فلسطين هو شأن داخلي علينا أن نحترمه وأن ننسى قضية اسمها فلسطين.
لهذا السبب، فإنّ الأميركي مشغول ولديه هوس إسقاط الدولة السورية، وكان يظنّ أنّ المسألة تنتهي بعد أيام أو شهور، فهو لا يعلم أنّ هناك عقيدة قتالية تربّى عليه المدني السوري قبل العسكري وهي أنّ «إسرائيل هي العدو»، وما دام هذا العدو موجوداً وجاثماً على صدورنا لا بدّ أن نوحّد جبهتنا الداخلية، شعباً وجيشاً وحكومةً. لهذا صمدت سورية، بسبب هذا الثالوت الذي أرعب أميركا وعملاءها في المنطقة الذين صعب عليهم فكّ طلاسم هذا الحلف الداخلي.
إنّ المؤامرة التدميرية على سورية، كانت بأوامر أميركية وبمعاول هدم، للأسف، عربية وإقليمية ها هي تظهر فشلها وتسقط كلّ يوم أمام إصرار شعب مقاوم يريد العيش بعزة وكرامة. وها نحن نؤكد لهم بعد هذه السنوات أنّ من كانوا يريدون «الحرية» للشعب السوري، فأغرقوا البلاد بالسلاح والإرهابيين، كانوا يحملون في أجنداتهم مصالحهم الخاصة السياسية والاقتصاديةً، وما نعلمه علم اليقين أنّ آخر ما كانوا يهتمون به هو المواطن السوري، وهذه حقيقة بدأت تظهر في عيون من حملوا السلاح من السوريين، وما عودة هؤلاء إلى حضن الوطن إلا دليل ذلك.
هي حقيقة قالها بريجنسكي وأصبحت مسألة أخذ وردّ في الإدارة الأميركية مفادها: ما الجدوى من إسقاط النظام السوري؟ وكم هي التكلفة التي دفعتها أميركا وتدفعها من أجل ذلك؟ وهل ستكون المنطقة أكثر استقراراً من دوم نظام الأسد؟ هل القوى الموالية لسورية ستقف مكتوفة الأيدي تجاه أي مخطط لتغيير جغرافية المنطقة؟