انتصارات سوريّة ومصريّة جديدة!
د. محمد سيد أحمد
طالعتنا خلال هذا الأسبوع بعض وسائل الإعلام عن وجود تحركات دبلوماسية بين كلّ من السعودية وسورية، وتركيا ومصر مما يبشر بانفراجة وشيكة في العلاقات الثنائية بين كلّ من سورية والسعودية من جانب ومصر وتركيا من جانب آخر، وكان الخبر الأبرز في التحركات السعودية – السورية هو زيارة وفد سعودي رفيع المستوى لدمشق ولقاؤه بقيادات سورية كبيرة، وأسفر اللقاء الذي لم يعلن عنه رسمياً من الطرفين عن قرب فتح السفارة السعودية بدمشق تمهيداً لعودة العلاقات في المجالات كافة بين الطرفين، ثم تحدّثت بعض وسائل الإعلام أنّ السعودية قد أعطت مهلة 48 ساعة لمغادرة أراضيها للمدعو رياض حجاب رئيس الوزراء السوري الأسبق (المنشق)، والذي تلقى رشوة 50 مليون دولار لإعلان خيانته وفقاً لتصريحات وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم، هذا بخلاف ما تم تداوله مؤخراً على لسان وزير الخارجية السعودي بالمطالبة بعودة سورية لمقعدها في الجامعة العربية.
وجاء الخبر الأبرز في ما يتعلق بالتحركات الدبلوماسية لعودة العلاقات التركية – المصرية، عن زيارة وفد تركي للقاهرة لإجراء مباحثات وصفتها القاهرة بأنها استكشافية في حين وصفتها اسطنبول بأنها متقدّمة للغاية، حيث أكدت بعض وسائل الإعلام موافقة تركيا على تسليم الإرهابيين من جماعة الإخوان المسلمين الصادرة في حقهم أحكام نهائيّة من القضاء المصري، ووقف القنوات الفضائية الإخوانية التي دأبت على مهاجمة الدولة المصرية متمثلة في قيادتها السياسية وحكومتها على مدار الثماني سنوات الماضية، هذا إلى جانب الاعتراف بثورة 30 يونيو/ حزيران 2013 والتي كانت تصفها بالانقلاب، بالإضافة إلى الموافقة على الانسحاب من الأراضي العربية في ليبيا وسورية والعراق، واحترام اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين مصر وكلّ من قبرص واليونان وحدودهما المشتركة معها.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو كيف يمكن قراءة وتفسير هذه التحركات الدبلوماسية بين كلّ من السعودية وسورية، وتركيا ومصر، والتي تبدو للوهلة الأولى انتصاراً سورياً مصرياً؟
هل يمكن قراءة وتفسير هذه التحرّكات في ضوء العلاقات الثنائية بين كل من السعودية وسورية، وتركيا ومصر؟ وإذا كانت المسألة بهذه السهولة والبساطة فالسؤال الذي يطرح نفسه ما هو السبب الرئيس لوصول العلاقات لمثل هذا العداء خلال العشر سنوات الماضية، ومنذ اندلاع موجة الربيع العربي المزعوم؟ فالعلاقات الثنائية السعودية – السورية، والتركية – المصرية كانت على ما يُرام أو على أقلّ تقدير كانت علاقات طبيعية بعيدة كلّ البعد عن العداء، فلماذا تحوّلت وبشكل مفاجئ لعداء وتآمر وحرب تمّ تدعيمها مادياً وعسكرياً؟
وهنا ولكي نقدّم قراءة وتفسيراً سياسياً مقبولاً وواقعياً علينا أن نبحث عن الأصيل في هذه العلاقات، فالعداء السعودي لسورية، والتركي لمصر ليس عداءً أصيلاً بل هو عداء بالوكالة، فالسعودية وتركيا وكيلتا العدو الأميركي الأصيل في هذه الحرب الكونية على البلدين سورية ومصر، فالعدو الأميركي هو صاحب المشروع الأصيل لتقسيم وتفتيت الوطن العربي تحت مسمّى الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، والذي تشكل فيه مصر وسورية الجائزة الكبرى.
وفي السياق التفسيري ذاته لا بدّ من تذكر كلمات ديفيد بن غوريون مؤسس الكيان الصهيوني عشية إعلان قيام الكيان في عام 1948 حيث قال «لا يمكن أن تعيش وتحيا «إسرائيل» آمنة إلا بالقضاء على ثلاثة جيوش عربية، هى الجيش المصري والسوري والعراقي»، وبما أنّ الجيش العراقي قد تمّ تقويض دعائمه بالغزو الأميركي للعراق في عام 2003 فالمطلوب هو تقويض دعائم الجيشين المصري والسوري، وجاء «الربيع العربي» المزعوم وتمّ التآمر الأميركي على سورية ومصر بهدف تقسيمهما وتفتيتهما لصالح مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، والقضاء على جيشيهما لصالح العدو الصهيوني.
وكانت السعودية أحد الوكلاء الأميركيين لتقسيم سورية عبر دعم الجماعات التكفيرية الإرهابية بالمال والسلاح، وكانت تركيا أحد الوكلاء الأميركيين لتقسيم وتفتيت مصر عبر دعم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، ومن هنا نشأ العداء السوري – السعودي، والمصري – التركي.
واليوم وبعد فشل المشروع بفضل صلابة وبسالة الجيشين السوري والمصري وإجهاضهما لمشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، قام العدو الأميركي بإعطاء أوامره للوكلاء في الرياض واسطنبول بالهرولة تجاه دمشق والقاهرة، وإعادة ترميم العلاقات بينهما، هكذا يجب أن تفهم وتفسّر وتقرأ الأخبار المتداولة عبر بعض وسائل الإعلام للتحركات الدبلوماسية لعودة العلاقات السعودية – السورية، والتركية – المصرية في اللحظة الراهنة، ولنعلم جيداً أنّ الانتصار السوري والمصري على المشروع الأميركي هو السبب في تغيير موقف الوكلاء الأميركيين، اللهم بلغت اللهم فاشهد.