حزب العدالة والتنمية الرجعي… التركي إلى متى يحمل لواء الحرب على سورية؟
محمد ح. الحاج
عندما تستهدف القوى الدولية الغاشمة شعباً أو حكومة تسقط المعايير والمفاهيم، وتنحى الأخلاق جانباً، ويتوقف العمل بما تؤمن به قوى الخير من علاقات أخوة أو حسن جوار أو روابط إنسانية من أيّ نوع، فلا روابط قومية أو إنسانية، هكذا تتقدّم المصالح على ما عداها، ونرى ذلك قد تجسّد واقعاً في استهداف الحكومة والشعب السوري منذ سنوات حتى اللحظة، فالروابط «القومية» والأخوية والثقافية وحتى الإنسانية تمّ وضعها على الرفّ وهذا انطبق على دول الجامحة العربية، أو أغلبها على الأقلّ، وعلاقات حسن الجوار مع الجار الشمالي «التركي» انتقلت من «شهر عسل» أجاد العثماني استثماره تماماً لغايات يفصح عنها اليوم إلى أسوأ جوار عرفه التاريخ مستلهماً روح علاقته الشوهاء بكلّ من حوله عبر أربعة عقود… أسماها أغلبهم زوراً الفتح وهي احتلال بكلّ مواصفاته ومعانيه، لكن، تحت عباءة الدين، وهكذا عاد الحنين يراود السلطان الجديد ويدغدغ أحلام المتمرّد على علمانية تركيا الخارجة من تحت العباءة الأوروبية العائدة بسرعة إلى مجاهل تاريخها الأسود، رغم أنّ أغلب الجوار حتى في بلاد العربان تناسوا ذلك التاريخ أو نسوه… لكن المأثور يؤكد «أنّ عدو جدك لا… يودّك».
الحكومة التركية، الرافضة لقرارات الأمم المتحدة ضمناً، الخارجة على الإجماع الدولي، لم تكتف بالسباحة عكس التيار، ولم تخجل من علاقتها الحميمة مع «داعش»… سارعت إلى فتح معبر السلام الذي كان عنواناً لتواصل الأهل عبر الحدود، الأهل الذين جعلتهم الاتفاقيات الفرنسية التركية يرزحون تحت الاحتلال مع عيش تشوبه المعاناة من الاضطهاد والمعاملة الدونية وحرمانهم حتى من التحدث بلغتهم الأصلية، هذا المعبر، فتحته أمام آلاف المرتزقة الذين تدفقوا على ريفي حلب وإدلب رداً على انتصارات الجيش السوري المدعوم من أبناء شعبه، ثم لتتوّج فعلها بانتهاك حرمة الجوار فتدخل بقواتها عميقاً ضمن أراضي الجمهورية مدّعية الخوف من هجوم محتمل على ضريح جدّ مؤسس الدولة العثمانية الموجود مسمار جحا على الأراضي السورية مع حراسة عسكرية تركية، وقد كان وجوده يثير حفيظتي ومن معي كلما مررنا على جسر قره قوزاك شرق منبج، وهو يبعد عن الحدود المصطنعة… في أرضنا المحتلة لا أقلّ من أربعين كيلو متراً، وما زال السؤال يطرح نفسه بإلحاح شديد لماذا يستمرّ وجوده على أراضي بلادنا؟
«رامبو التركي» مستعد تماماً… ومؤهّل، وليس بحاجة إلى إذن أحد أو التنسيق مع أحد! يقول داوود أوغلو وهو يعلم أنه يكذب وأنّ من يسمعونه يعلمون ذلك أيضاً… لكن، ما المغزى من العملية بعد أربع سنوات من دعم تركيا لحالة الفوضى والغثيان الوطني في الشمال على وجه الخصوص؟
تنظيم «داعش» الإرهابي المدعوم من الغرب وبعض العرب، أصبح خطراً على الجميع، عدا التركي، ولأنّ هذا التنظيم خرج على ناموس الحياة في المنطقة وبدأ يدمّر الموروث والتراث التاريخي – الحضاري فإنه لا بدّ لاستكمال صورته السوداء من أن يستهدف ضريح سليمان شاه وهو غير مقدّس بطبيعة الحال اسوة بما فعله بكلّ الأماكن الأخرى ومنها ما هو مقدّسة، هكذا لا بدّ لتركيا الحاضنة، وحتى لا يُقال إنّ «داعش» داس طرفها، فقد يبدو مؤكداً أنّ اتفاقاً بين التنظيم والحاضنة الأمّ للقيام بعملية إخلاء الموقع ونقل الرفات، وعليه فقد تمّ إخلاء ممرّ آمن وبهذه المسافة لمرور وعودة القوة العسكرية التركية على أن تتولى قوات «داعش» حماية الجوانب ومنع تعرّض القوة لأيّ نوع من المقاومة، وهكذا تسرّب أنها قامت بتلغيم الأمكنة والبيوت القريبة من الموقع والمسار واكتفت بالرقابة، ولولا الخطأ الفني خلال عملية التدمير لما سقط جندي تركي… رامبو يعود منتشياً، وأوغلو يعلن «انتصاره» مثل ديك رومي منفوش الريش.
اللافت في التصريحات التركية هو التأكيد على أنّ عملية النقل موقتة…! فهل تخطط الحكومة التركية إلى إعادة مسمار جحا ثانية إلى ضفة قره قوزاك، واستطراداً، هل تعتبر نفسها صاحبة حق في اتخاذ القرار وتنفيذ الإجراء دون اذن الحكومة السورية، أم أنها تعتقد أنّ الحال سيتغيّر وأنها بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية ستنجح في تغيير الوضع على الساحة السورية وتصبح صاحبة القرار والآمر الناهي لجماعة حلف اسطنبول من الأتباع والعملاء…؟ مجرد حلم… قد يصبح مقتلاً لحزب العدالة والتنمية، وسبباً للصراع مع الأحزاب والتنظيمات التركية الأخرى.
لا شك أنّ تركيا المستقوية بحلف الناتو، أبلغت شركاءها في الحلف عزمها القيام بعملية خرق السيادة السورية، ونسّقت مع غرفة عمليات الحلف في المنطقة، ومؤكد أنها تلقت الدعم والتشجيع لثقة هؤلاء بأنّ «داعش» حليف موثوق للحكومة التركية، وأنّ قيادة «داعش» من المستويات العليا تتلقى تعليماتها من المحفل الأعظم.
الحكومة التركية التي خرقت كلّ اتفاقيات حسن الجوار، واستباحت الأراضي السورية، واتخذت موقفاً عدائياً من الشعب السوري منذ بداية الأحداث لمصالحها الشخصية فاتحة الحدود أمام كلّ مرتزقة العالم لمحاربة سورية، ليس من حقها مطالبة الحكومة السورية باحترام اتفاقيات لم توقعها وليس من حق أحد إلزامها بها، فقد كانت تحت الاحتلال الوصاية وهي اتفاقيات تخدم المصالح التركية والفرنسية وتنتقص من السيادة السورية ومصالح الشعب السوري صاحب الحق الوحيد في استعادة السيادة على أراضيه كاملة وتقرير مصيره ورفض أية اتفاقات مشابهة وإقرار ما يعبّر عن الندية والعدالة في التعامل بين الدول المتجاورة المتشاطئة، والتي تتوفر بين مكوّناتها علاقات عائلية إنسانية.
يتداول العامة من أبناء شعبنا الكثير من الأسئلة، منها: ألم تكتشف الاستخبارات السورية ما يجري في المنطقة؟ وهل كان ممكناً ضرب القوة المعتدية؟ ما الذي قد تفعله الأمم المتحدة مجلس الأمن وهو تحت سيطرة «الناتو»، وهل تستمرّ العلاقات الدولية ضمن هكذا مسار خاطئ، وهل تعجز سورية عن الردّ أم أنّ الأوضاع الراهنة تشكل مرحلة لا بدّ من تجاوزها؟
اليوم يشعر أغلب أبناء الشعب السوري أنّ الخطاب التركي خلال شهر عسل العلاقات، وفتح بوابات ومعابر السلام، ونزع حقول الألغام، والانتقال إلى مراحل جديدة وحميمية من التعاون على جانبي الحدود، كانت ملغومة من الجانب التركي وله نواياه المتناقضة مع النوايا السورية والسلوك السوري الذي اتسم بالإخلاص والصدق وفتح الأبواب أمام التغلغل التركي، ثقافة واقتصاداً على حساب الكثير من مصالح الشركات والمؤسسات السورية، وهو ما يستوجب إعادة النظر في مجمل العلاقات المشابهة حتى مع دول العالم العربي خدمة للمصلحة السورية التي تعلو فوق كلّ مصلحة.