ما حققه الفلسطينيّون بداية حرب الاستقلال
تبدو خيارات مشهد الحرب الدائرة في فلسطين بين التوصل إلى اتفاق لوقف النار، والتصعيد وصولاً لمواجهة تفتح باب خروج الحرب عن السيطرة وشمولها أطرافاً في محور المقاومة، أو وقف النار دون اتفاق.
الأكيد أن كيان الاحتلال يدرك خطورة التورّط في حرب تنزلق نحو مواجهة شاملة مع محور المقاومة، ولذلك يعمل لحصر الخيارات بين وقف للنار باتفاق أو من دون اتفاق، والأكيد أن وقف النار باتفاق يعني بالنسبة للمقاومة شرط تضمينه التزام الكيان بحرمة المسجد الأقصى ووقف التهويد في القدس، ولأن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ركب موجة الحرب ليستولي على حركة المستوطنين ويجعلهم رصيداً سياسياً وانتخابياً له، فلن يكون بوارد الموافقة على هذا الشرط، ويصبح السؤال عن ماهية وقف للنار من دون اتفاق.
يحاول نتنياهو أن يخرج من الحرب بمزاعم أنها حققت أهدافها بضرب البنى التحتية للمقاومة، وهو يوزّع معلومات تريد الإيحاء بأنه دمر الأنفق ومنصات الصواريخ ومصانعها، بينما الصواريخ لا تزال تنطلق بكل العيارات والى كل المدن والبلدات في الكيان وبكثافة مشابهة لليوم الأول، لكن هذا هو المخرج الوحيد لنتنياهو من الحرب التي تعمد عدم وضع سقوف عالية لها كما كان يفعل في السابق، مكتفياً بالحديث عن مهمة فرض تهدئة طويلة.
بالنسبة للمقاومة هذه هي المرة الأولى التي تبادر فيها لإطلاق النار، ولم يكن هدفها التوصل الى اتفاق تعلم أنه تسوية سياسية كبرى أدى استعصاؤها الى سقوط كل فرص التفاوض التي خاضتها السلطة الفلسطينية، ومَن يجعل القدس ومنع التهويد عنواناً لحربه يعلم أن كل التسويات سقطت عند أسوار القدس، لذلك كان قرار المقاومة هو إيصال رسالة مضمونها أن التهويد في القدس يعني حرباً، ولو لم يرد نتنياهو بالحرب لكانت المقاومة ربطت إطلاق الصواريخ بمواصلة التهويد وأوقفتها عندما تتوقف الخطوات الاستفزازية والتصعيدية للمستوطنين، وإذا أوقف نتنياهو حربه لن تواصل المقاومة إطلاق الصواريخ لتظهر أمام العالم ساعية وراء التصعيد، بل ستعتبر أن رسالتها لا تزال قائمة، كل عبث واستفزاز في القدس سيلقى عقاباً.
ما نتج عن جولة الحرب الضروس سيشكل خلفية حاضرة في كل المساعي الدوليّة، وفي النقاش الداخلي في الكيان، بصورة ستنتج تراجعاً كبيراً في الاستفزازات في القدس، وسيحصد المقدسيون نتاج هذه الجولة مزيداً من الحرية والشعور بالقوة، لكن نتائج الحرب ستكون أشمل بصورة يحتاج الفلسطينيون وقف النار من دون اتفاق لاستيعابها وهضمها، فما جرى من نهوض في الأراضي المحتلة عام 48 وفي الضفة الغربيّة سيصعب وقفه، وسيشكل رافعة المواجهة المفتوحة للفلسطينيين مع الاحتلال. وهذا التحوّل ليس الوحيد. فالمناخ العربي والدولي المتغير بقوة لصالح القضية الفلسطينية على مستوى الرأي العام وانعكاسه على الحكومات هو الآخر يحتاج لمواكبة واستثمار.
سيواجه نتنياهو بعد الحرب أسئلة وجودية حول مستقبل الكيان ومستقبل القدرة على شن الحروب، واستعادة قدرة الردع، في ضوء ما ظهر من قدرات للمقاومة، ومن ضعف الكيان وفشله العسكري، وفي ضوء دخول عامل جديد في المواجهة هو فلسطينيو الداخل وعودة الضفة الى الاشتباك، بينما ستكون المقاومة قادرة على مراكمة المزيد من مصادر القوة العسكرية، والاستثمار على التحولات الشعبية والسياسية الكبرى، وتوظيف قدرتها العسكرية لتأمين الحماية المستمرة للانتفاضة في القدس وأراضي الـ 48 والضفة.
يشبه ما سيجري في فلسطين ما جرى في لبنان مع تفاهم نيسان عام 96 الذي أسس لتوازن الردع الذي مهّد للتحرير، لكن من دون بيان وإعلان.