تشييع عدنان الشرقي من الملعب البلديّ وداعاً لباني أمجاد الأنصار والمنتخب الوطنيّ
} إبراهيم وزنه
مرّة جديدة يطلّ شبح الموت، ليخطف من ملاعبنا الكروية عزيزاً وكبيراً وخبيراً، وكأننا بتنا نعيش في زمن أفول عمالقة لعبتنا الشعبية، فبعد عبد الرحمن شبارو، الذي قضى منذ عدّة أشهر، وقبله جوزيف أبو مراد وسمير العدو وميشال سعد وفؤاد الصايغ وسميح شاتيلا ويوسف الغول والياس جورج، ودّعنا فجر أمس، علمٌ ساطع من أعلام كرة القدم اللبنانية.
بهدوء ترجّل عدنان حسين مكداش عن صهوة الأمجاد ليغمض عينيه في الغرفة 231 في المستشفى العسكري بعد شهرين أمضاهما متألماً من مرض عضال راح ينهش كبده. ارتاح قلبه قليلاً مع إحراز “الدوبليه” الأنصارية بعد طول انتظار (موسم 2020 ـ 2021)، وعدنان الشرقي، باعتراف القاصي والداني، هو الباني الفعلي لأمجاد النادي الذي انطلق من محلّة طريق الجديدة في مطلع الخمسينيات، وبفضل اندفاعه وخبرته وغيرته وتكاتفه مع مجموعة من المجتهدين والغيارى، كتب “الأخضر” صفحاته المجيدة المطرّزة بالإنجازات بسطور التألق والعطاء، تحت قيادة الشرقي الفنية لعقود من الزمن، لا بل حفر اسمه في سجّلات الأرقام القياسية في عالم البطولات.
أبصر عدنان مكداش النور في محلّة طريق الجديدة في العام 1941، استهل مسيرته لاعباً مع الأنصار في العام 1957 في مركز الجناح الأيمن، ونجح مع رفاقه الأوائل في إيصال “أنصارهم” إلى مصاف الدرجة الأولى في العام 1968، وتاريخه الطويل مع الأنصار يشهد على أنه كان اللاعب والمدرّب والاداري والناقد والقائد والمرشد والمجتهد.
وكان قد شارك “الشرقي” في صفوف منتخب لبنان في زمن العزّ والأمجاد، ولاحقاً درّبه بشكل تطوّعي على مدى سنوات طوال ولغاية العام 2008 في أحلك الظروف وأصعبها، علماً أنه بدأ رحلته التدريبية مع المنتخب في العام 1974، ولم يبخل يوماً عن إبداء نصيحة في محلّها… ولا نبالغ إذا قلنا بأن رحلته في دروب الساحرة المستديرة، تعتبر الأكثر إشراقاً على الصعيد اللبناني، وله في ميادين الثقافة الكروية الفنية مؤلّفات كثيرة وآراء واضحة وملاحظات دقيقة، وهو الذي استهوى المشاركات في أكثر من معايشة خارجية مع فرق عالمية في الدوريات الأوروبية، وأبرز تلك المعايشات كانت مع أرسنال الانكليزي وأياكس أمستردام الهولندي وميلان الإيطالي وبرشلونة الاسباني، فضلاً عن خوضه تجارب أخرى في مصر في السبعينيات وأشهرها تحت إشراف المدرب المجري الشهير ناندور هيديكوتي.
والتحق في عزّ اندفاعه وشبابه بكلية التربية الرياضيّة في جامعة حلوان في القاهرة (1965)، إلا أنه استمر فيها لعام واحد، حيث اضطر للعودة الى بيروت لوفاة والده. وفي هذا السياق، يسجّل للشرقي، بأنه وقبل أن يتمّ الثامنة عشرة من عمره، نال شهادة في التدريب من قطاع الشباب والرياضة في الجامعة العربية في القاهرة، وهو أوّل لاعب يتمّ اختياره من فريق درجة ثانية ليمثّل منتخب بلاده.
ونظراً لظروفه الخاصة، لعب الشرقي مع غريم الأنصار “النجمة” لفترة قصيرة في العام 1964، وكذلك مع فريق الأولمبي السكندري المصري (1967)، ثم عاد إلى الأنصار ليباشر رحلته الحقيقية مع النادي، حيث بقي في صفوفه 38 عاماً (لاعباً ومدرباً وإدارياً)، حصد خلال تلك الفترة لقب الدوري اللبناني 11 مرة متتالية، وكأس لبنان 12 مرة، ورصيد الفريق حالياً 14 بطولة و13 كأساً.
وعلى الصعيد الشخصي، حظي الشرقي بتكريم الاتحاد الآسيوي لكرة القدم في العاصمة الماليزية كوالالمبور في أيار من العام 2009 من قبل الرئيس السابق للاتحاد الآسيوي القطري محمد بن همام. ولطالما نبذ «أبو محمد» إدخال الوسط الرياضي وخصوصاً لعبة كرة القدم في الدهاليز الطائفية والمذهبية، مؤكّداً في العديد من المقابلات أن لبنان «يمتلك المهارات واللياقة البدنيّة والبنية الجسمانية الجيدة، فيما يفتقد الى الإمكانات والاستقرار»، وتميّز الشرقي بعصبيته خلال قيادته للمباريات أو عند توجيه الملاحظات للاعبيه، وكثيراً ما وجّه إليهم الإهانات… لكنه ومع انتهاء المباراة، يبتسم ويقبّل ويحتضن، فتعود المياه إلى مجاريها وكأن شيئاً لم يحصل!
بناء لرغبته، سيصلّى على جثمان الراحل الكبير ظهر اليوم، الأربعاء، الموافق في الثاني من شهر حزيران 2021، في الباحة الداخلية لبوّابة الملعب البلدي المواجهة لمقر نادي الأنصار، على أن يوارى جثمانه في الثرى في جبانة الأوقاف الإسلامية الجديدة ـ الحرج، قرب دوّار شاتيلا في تمام الواحدة والربع ظهراً.
ومن جهة ثانية، وبناء لرغبة غالبية لاعبي الكرة في منطقة الطريق الجديدة، ومعظمهم من أندية الأنصار والنجمة والصفاء والتضامن بيروت، أبدوا رغبتهم بإطلاق اسم عدنان الشرقي على الملعب البلدي، وهو الذي وقف صلباً بمواجهة الراغبين بإزالته من على الخريطة إلى جانب عدد كبير من اللاعبين الدوليين منذ عدّة سنوات.
ختاماً، ما عسانا إلا أن نستودعك الله، يا من تركت فينا إرثاً كبيراً لا ينضب، ونعاهدك أن ننهل من معينك كلما ضاقت بنا السبل، سائلين الله أن يتغمدك بواسع رحمته ويلهم عائلتك ومحبّيك الصبر والسلوان.