أخيرة

الديمقراطية اللبنانية الحديثة…!

} د. رائدة علي أحمد

تقوم الديمقراطية على أساس الاعتراف بالفرد أساساً لنظام الحكم، وتحفظ لهذا الفرد حقوق المواطنة التي يصبح بموجبها منتمياً إلى الوطن، ومواطناً متساوياً فيه مع سائر مواطنيه، مهما اختلفت انتماءاتهم وتباينت، ويذهب ولاؤه وولاء المواطنين جميعاً إلى الوطن في المقام الأول.

وإذا كانت الديمقراطية تقوم في المقام الأول على الولاء للوطن فما الذي يجعل إنساناً جامعياً كان أو عاملاً بسيطاً أو مهندساً أو طبيباً أو سياسياً أو مثقفاً أو مزارعاً… يتخلّى عن حقه كفرد في دولة تساوي بين مواطنيها، ليلتحق بطابور بنزين أو سوبرماركت أو فرن أو صيدلية لساعات طوال تحت أشعة الشمس الحارقة ليتسوّل حقه من عامل بسيط أو من صاحب العمل، يصرخ في وجهه، يوبّخه، ويذلّه، ويطلب منه طاعته، ويهدّده ما لم ينفذ الأوامر بأنه لن يحصل على حاجاته، ما الدوافع النفسية العميقة المحرّكة لصمت هؤلاء عن حقوقهم؟

إنّ الاستجابة لنداء «المرجع» السياسي أو الطائفي أو المذهبي هو الذي يجعل المواطن متخلياً عن حقوقه في المواطنة إرضاء لهذا «المرجع» أو ذاك. وقد يعود الانقياد هذا إلى أسباب خاصة في البنية الذهنية والنفسية، اللتين تعتملان في داخل المواطن اللبناني للدلالة على حالة من الرضا والرغبة في الاستجابة لمن يواليه سياسياً ويعتبر أنه يحافظ على مكتسباته السياسية والطائفية بظلّ هذا المواطن الذي يتعرّض للضغوط الاقتصادية والاجتماعية والنفسية بانقياد كليّ. وتصبح النتيجة أنّ أخطر ما يقوم به المرجع السياسي هو نشر تصوّراته الذاتية في بيئات اجتماعية بُنيَ إيمانها الجماعي على الطاعة العمياء والثقافة الخلاصية.

ونتساءل: لِمَ يتخلّ المواطن عن حقه كفرد في مجتمع ديمقراطي؟ لا ينتقد، لا يعترض، لا يثور، شخص إيجابي، ينقاد لمسؤوله من دون قيد أو شرط، قد يلجأ إلى الدين ليس من باب التسامح والشكر إنما من باب البحث عن خلاصه بوساطة القدرة الإلهية، والعقيدة الإيمانية. معنى هذا أنّ هناك إمكانية لأن يظلّ الوطن لسنين طويلة تحت راية الخضوع والطاعة والانقياد، وتصبح النتيجة أنّ المواطنين يجمعهم قاسم عميق مشترك هو ذهنية الولاء والانقياد لمن يوالون…

ويفصل العلماء بين القدرات العلمية والعقد النفسية، بحيث أنّ الشهادات الجامعية والمراكز السياسية لا تحلّ مشكلة الانقياد العاطفية والنفسية، وقد يصل الانقياد إلى صاحب السيادة والسعادة والنيافة والفخامة والمعالي والسماحة والغبطة، وقد يقتل ويعذب لينتصر لعقيدته الشخصية، هذا الانتصار يشكّل بالنسبة إليه العلاج الشافي للخلاص من أزمته.

إنّ الدوافع السياسيولوجية لمسؤول تشمل دوافع نفسية مادية فيستغلّ أزلامه لزيادة ثرواته أو نفوذه السياسي، أما أزلامه فقادرون على تغيير جلودهم وفقاً لما تقتضيه مصالح  مسؤولهم، وهم في أمسّ الحاجة لأن يكونوا أحراراً في مواقفهم وقراراتهم، غير أنّ دوافعهم النفسية تدفعهم للانقياد من دون قيد أو شرط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى