غزة المستنفرة أمام احتمالين: تهدئة مع حكومة «إسرائيليّة» مضطربة أو حرب من دونها؟
د. عصام نعمان*
قد ينجح خصوم بنيامين نتنياهو في إزاحته عن السلطة بعد 12 عاماً من تجذّره فيها، لكنهم ليسوا في صدد الانقلاب على سياسته اليمينية العنصرية. لماذا؟ لأنهم مثله من أشدّ الملتزمين بها بل هم كانوا لأيام خلت شركاء فاعلين له في اعتمادها وتنفيذها.
القاسمُ المشترك الأفعل بين خصومه هو عداؤهم الشخصي والسياسي الشديد له. باستثناء ذلك، هم مثله بل أكثر التزاماً بسياسة الاستيطان في كلّ أنحاء فلسطين من البحر الى النهر، وتشديد الحصار على قطاع غزة، براً وبحراً، وضمّ مناطق الاستيطان إلى «إسرائيل»، والاستيلاء على الحرم القدسي الشريف (يسمّونه جبل الهيكل) وطرد الفلسطينيين من منازلهم في أحياء الشيخ جراح وسلوان وبطن الهوى وغيرها، ورفض «حلّ الدولتين»، و«أسرلة» فلسطينيّي المناطق المحتلة في العام 1948، ورفض عودة فلسطينيّي الشتات.
خصومُ نتنياهو تمكّنوا بصعوبة شديدة في توليف ائتلافٍ يضمّ ثمانية أحزاب: ثلاثة من اليمين، واثنان من اليسار، واثنان من الوسط، وحزب «عربي» واحد قال زعيمه منصور عباس إنه يؤيد الحكومة الائتلافيّة، لكنه لن يشارك شخصياً فيها!
الحكومةُ الائتلافية ما زالت وعداً ولن تصبح واقعاً إلاّ إذا نالت ثقة الكنيست قبل يوم السبت المقبل. في هذه الأثناء، تبدو مهدّدة بالسقوط لسببين: الأول، انشقاق بعض نواب أحزاب اليمين لرفضهم المشاركة فيها بدعوى خروجها عن أيديولوجيتها وبرامجها السياسية اليمينية. الثاني، احتمال نجاح نتنياهو في افتعال حرب مع إيران بغية تمديد بقائه في السلطة والتسبّب تالياً في إجراء انتخابات للمرة الخامسة خلال سنتين.
حتى لو تمكّنت الحكومة الائتلافية من نيل ثقة الكنيست فإنها ستبقى حكومة مضطربة بسبب اختلاف أطرافها على العديد من قضايا أساسية تتعلق بالاقتصاد، والأمن، والعلاقة بين الدولة والدين و… أسلوب التعاطي مع قطاع غزة المحاصر. هذه الخلافات حملت صحيفة «هآرتس» (2021/6/4) على القول «إنّ كلّ عضو فيها عبوة ناسفة يمكن أن تؤدي الى تحطيمها».
لعلّ الموقف من غزة هو أكثر النقاط حساسيةً. رئيس الحكومة الأول المناوب نفتالي بينيت قال في مقابلة أجرتها معه قناة 12 الإخبارية (2021/6/3) ردّاً على سؤال حول التخوّف من حرية العمل في عمليةٍ ضدّ غزة لوجود حزب منصور عباس في الحكومة: «إذا لزم الأمر سنقوم بعمليّة من دون قيود سياسية، وإذا احتجنا الى الذهاب الى انتخابات سنفعل ذلك».
هذا الاحتمال لا يغيب عن تقديرات قادة فصائل المقاومة في غزة. ها هو يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لـِ «حماس» في القطاع يسارع الى الردّ قائلاً: «إنّ المقاومة التي تستطيع أن تدكّ تل أبيب برشقة واحدة من 130 صاروخاً والمخفي أعظم، تدرك أنه في حال أيّ حرب جديدة يشنّها الاحتلال «الإسرائيلي» على غزة سيكون للشرق الأوسط شكل آخر».
دلالةُ تهديد السنوار تتجلىّ أيضاً في تصريح للقيادي في حركة «الجهاد الإسلامي» خالد البطش: «يجب أن تكون لنا الثقة التامة بما يقوله القادة: السيد عبد الملك الحوثي والسيد حسن نصرالله والسيد زياد النخالة وسائر قادة محور المقاومة بشأن المعركة الكبرى في حال الاعتداء على القدس».
كلامُ السنوار والبطش موجّه إلى نتنياهو قبل أن يكون موجهاً إلى بينيت. ذلك أنّ الأول كان صرّح بأنه إذا كان عليه الاختيار في مسألة منع إيران من امتلاك سلاح نووي بين حماية أمن «إسرائيل» ومراعاة موقف الولايات المتحدة المعارض لمهاجمة إيران بصورة منفردة فإنه سيختار مهاجمة إيران. بينيت يعلم انّ ليس في مقدور حكومته شنّ حربٍ على إيران بصورة منفردة، وانّ أقصى ما تستطيعه حيال غزة هو مجاراة إدارة الرئيس بايدن بالتجاوب مع مساعيها لترسيخ التهدئة بعد حرب الـ 11 يوماً بين الطرفين الفلسطيني و«الإسرائيلي».
إلى ذلك، يعلم بينيت وسائر أركان حكومته الائتلافية أنّ إقدام نتنياهو، قبل مثولها أمام الكنيست لنيل الثقة، على إشعال حرب مع إيران سيؤدي الى انهيار الحكومة فوراً ونشوء حال توتر واشتباك على مستوى الشرق الأوسط برمّته. هذا الاحتمال البالغ الخطورة كافٍ بحدّ ذاته لقيام إدارة بايدن، الحريصة على العودة الى الإتفاق النووي مع إيران، بلجم «إسرائيل» سواء كانت بقيادة نتنياهو أو غيره لمنعها من ارتكاب هذه الحماقة.
يتأسّس على ما سبق بيانه أن لا هدنة في المستقبل المنظور بين غزة المقاومة و«إسرائيل» العدوانيّة بل مجرد تهدئة. فالهدنة كما يقول البروفسور ليف غرينبورغ، رئيس رابطة علماء الاجتماع في «إسرائيل»، بمقالة في «هآرتس» (2021/6/2) «إنّ رفع الحصار عن غزة ووقف طرد الفلسطينيين من منازلهم في حي الشيخ جراح واللد ويافا هما شرطان أساسيان للهدنة». من دونهما لا سبيل، في رأيه، الى إقامة هدنة ولا حتى، ربما، تهدئة.
لكن، مَن يجرؤ على القول إنّ قادة المقاومة في غزة يكتفون بهذين الشرطين فقط؟
*وزير ونائب سابق.