طرابلس تبدأ مسيرتها الحزبيّة من محلّة التربيعة
الياس عشّي
يستعدّ الحزب السوري القومي الاجتماعي للاحتفال غداً بالذكرى الحاديةَ عشرةَ بعد المئة لولادة المؤسس الزعيم أنطون سعاده. تُرى ماذا أعددنا، نحن القوميين في طرابلس، لاستقبال الأول من آذار هذا العام؟
لا أتحدّث هنا عن البيانات التي ستصدر، ولا عن الخطب التي ستلقى، ولا عن الشموع التي ستضاء، ولا عن الاحتفالات التي ستقام في الوطن وعبر الحدود. هذه صارت من الطقوس. تعوّدناها. صارت جزءاً من الأرشيف.
أتحدّث اليوم عن طرابلس، عن مدينة الضوء وماء الورد مثلما تعوّدتُ أن أصفها في أدبياتي كلّما دار الحديث عنها، ولطالما تساءلت: كيف سمحنا، نحن القوميين، لمدينة اسمها طرابلس أن تتهم بالعصبية الدينية، وبأنها حاضنة للحركات التكفيرية، غير آبهين لتاريخها الناصع في انتماء الكثيرين من أبنائها إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي؟ ومتى؟ في الأشهر الأولى من تأسيسه!
أوّلاً: لو كان هذا الاتهام صحيحاً لرُفض الحزب بمجرّد أن يكون اسم مؤسّسه أنطون ! وفي هذا الصدد يروي الدكتور أنيس فريحة في كتابه «قبل أن أنسى» في الصفحة 159 الواقعة الآتية:
«… وتمرّ الأيام، وينجح أنطون في تأسيس حزب. وكان يتمنّى أن أكون في عداده. وأذكر قولي له مرّة: لن تنجح يا أنطون في تأسيس حزب كهذا واسمك أنطون! على الأقل غيّر اسمك هذا من اسم قدّيس إلى اسم زعيم محارب.
ضحك وقال: ستجمعنا الأيام».
إلى هنا ينتهي كلام المؤرخ أنيس فريحة.
بعد عشر سنوات من هذا الحوار 1947 عاد سعاده من مغتربه القسري إلى لبنان، فاستقبل في مطار بيروت استقبالاً قلّ نظيره.
هذا الاستقبال كان الردّ الطبيعي لشكوك فريحة.
صدّقوني… لقد اجترح «أنطون» أعجوبة!
ثانياً: لو كان هذا الاتهام صحيحاًً، كيف قبل الطرابلسيون بالمبدأين الأولين من مبادئ الحزب الإصلاحية اللذين يقولان بـ«فصل الدين عن الدولة»، وبـ«منع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميين»؟
وكيف لطرابلس مدينة الضوء أن تقبل هذا الاتهام فيما أوّل هيئة لمنفذية طرابلس خرجت أسماؤها، على ما يروي جبران جريج في كتابه «مع أنطون سعاده»، من عيادة الدكتور سميح علم الدين في محلّة التربيعة وبحضور الزعيم نفسه 1934 . ويضيف جبران: «ولم تمضِ سنوات ثلاث حتّى كانت جموع القوميين تقيم للزعيم المؤسس استقبالاً حاشداً بدأ في القلمون، حيث كانت الجموع قد احتشدت في المقهى الملاصق للطريق العام وعلى الطريق نفسها. وقف الزعيم … وألقى كلمة رائعة … أكملنا سيرنا إلى طرابلس وتواكبنا درّاجات بخارية يرفرف على مقدماتها راية الزوبعة الحمراء إلى أن وصلنا إلى منزل المنفّذ العام مصطفى المقدّم حيث ألقى الزعيم في المجتمعين كلمة مسهبة حول العقيدة والأخطار المحدقة بأمتنا وعن مناقبيتنا وصراعنا. وعند البحصاص … التقى الزعيم بالدكتور شاكر حليم، أحد أصدقائنا وأحد الوجوه المحلية البارزة. تناول طعام العشاء على مائدة نجلا معتوق حداد … . في اليوم التالي قام بزيارة لكبير الشيوخ العلّامة محمد الجسر … ، ثمّ بزيارة أخرى لراشد المقدم لأغراض سياسية محلية، قبِل بعد تردّد ونقاش طويل». من كتاب «مع أنطون سعاده» لجبران جريج .
هو مشهد واحد من مشاهد قومية كثيرة علينا تظهيرها، حتّى لا تبقى هذه المدينة المناضلة أسيرة الأهواء والمناسبات السياسية الصغيرة والضيقة، وأسيرةً لردود الفعل التي أخذت طرابلس، أو كادت تأخذها، إلى المجهول.
إنه دور من مسؤوليتنا جميعاً، ونحن قادرون.