رحيل «النتن ياهو» بعد ترامب والبقية قادمة…
د. جمال زهران*
أخيراً… وكما توقعنا في هذا المكان، رحل «النتن ياهو»، من رئاسة الحكومة الصهيونيّة، وهو في طريقه إلى السجن على شاكلة زملائه (أولمرت… وغيره)، بعدما رحل صديقه القواد الأعظم دونالد ترامب، من رئاسة الولايات المتحدة الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وعلى مدار (6) أشهر سابقة على موعد الانتخابات الأميركية يوم الثلاثاء الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، كتبت عدة مقالات في هذا المكان، استشرفت بالعلم عن طريق القراءة العلمية للواقع الأميركي، أنّ ترامب والحزب الجمهوري، في طريقه إلى السقوط في الانتخابات، وأننا على موعد مع عودة الديمقراطيين، وممثلهم في هذه المرحلة (جو بايدن). وقد عدّدت الأسباب التي تدعم هذا الاستشراف، بينما تصوّر الكثيرون العكس وأنّ نجاح ترامب، أمر حتمي. إلا أنّ الذين كانوا يتوقعون نجاح ترامب وهم بلا حصر، كانوا يعبّرون عن مصالحهم الذاتية من جانب، ومن جانب آخر يعبّرون عن رغبات الحكام الذين يتمنّون نجاح ترامب، ويسعون من خلال أصحاب الأقلام والمعبّرين عن الحكام، أن يثبتوا ولاء نظم الحكم التي يعملون في خدمتها، دون مراعاة لقراءة موضوعية للواقع الدولي والإقليمي.
ولا شك في أنّ هذا لا يعنيهم، بل الذي يهمّهم هو تلك المكاسب التي يحصلون عليها. ومن أسف أن تقف وسائل الإعلام، المفترض أنها وطنية، وتعمل في صالح الحقيقة، إلى جوار التفكير الداعم لاستمرار ترامب ونجاحه، بل وصل الأمر إلى منع أصحاب الأقلام صاحبة الرأي الآخر الذين يرون أنّ ترامب إلى رحيل، مُنعوا من الظهور في وسائل الإعلام المرئي والمسموع، بل ومُنعت المقالات الخاصة بهم، باعتبار أنّ هذا يتعارض مع سياسة الحكم والسلطة!! وقد ثبت في النهاية زيف الادّعاءات والتمنيات، ورسب ترامب، وسقط سقوطاً مدوياً، لتتأكد صحة وجهة نظرنا وتوقعاتنا واستشرافاً لما يمكن أن يحدث.
وفي هذا السياق، فقد توقعت واستشرفت، رحيل «النتن ياهو» من المسرح السياسي، استشرافاً لما يمكن أن يحدث، وفي الخلفية نظرية «الدومينو»، التي تقوم على أنه بالتداعي، بسقوط الرمز المركز، تسقط الفروع التابعة، خاصة أنّ المركز لا يرغب في استمرار «التوابع»!! وقد تأكد ذلك، بعد نجاح بايدن، تأخر اتصاله بـ «النتن..»، فترة من الزمن، على عكس ما هو مستقرّ في القواعد الأميركية، أنّ أول اتصال، بل والأسرع، هو اتصال الرئيس الأميركي الجديد، برئيس وزراء الكيان الصهيوني، تأكيداً للدعم والولاء والأولوية. الأمر الذي يشير إلى عدم راحة الرئيس الأميركي (بايدن)، بهذا الشخص الصهيوني. فهو تخلّ عن الشخص، وليس عن الفكرة الصهيونية الاستعمارية!
وعلى الجانب الآخر، أجريت الانتخابات الصهيونية للمرة الرابعة، خلال عامين، لم يحدث أن تمكن «النتن..»، من إحراز الأغلبية الكبيرة، التي تمكنه من تشكيل الحكومة بحسم، وبتفاهمات مع الآخرين، تكاد تكون بسيطة.
فقد شكل الحكومة ثلاث مرات سابقة، بتوافقات وبتبادل مقعد رئيس الوزراء مع رئيس حزب آخر تحالف معه، يذهب «النتن..» إلى انتخابات جديدة، من دون أن يفي بالوعود والاتفاقات. وكانت النتيجة هي سحب الثقة منه، لأنّ الحكومة لم تكن تتجاوز الأغلبية البسيطة، (أكثر من النصف بعدد بسيط من المقاعد/ أقلّ من 65 مقعداً من إجمالي 120 مقعداً وهم عدد أعضاء الكنيست الصهيوني).
وكما توقعنا، بعد إجراء الانتخابات الرابعة، أحد سيناريوين، الأول هو: تحالف غالبية الأحزاب المعارضة ورئاستها، ومن ثم التحالف في ما بينهم للإطاحة بهذا «النتن..»، للأبد من رئاسة الحكومة، والتصدّر لتحمّل المسؤولية ونجاح المعارضة له، في تشكيل حكومة بديلة. أما السيناريو الثاني فهو: الذهاب إلى انتخابات خامسة، على أمل تغيير النتائج وظهور معادلات جديدة. وقد أنحزت إلى السيناريو الأول وهو تحالف المعارضة للإطاحة بهذا «النتن..»، بغضّ النظر عن النتائج والتداعيات.
وقد أسفرت الخطوة الأولى، عن تكليف رئيس الدولة الصهيونية، للنتن، لتشكيل الحكومة، باعتباره صاحب الأكثرية في عدد المقاعد (كتلة الليكود)، وفشل في ذلك، وأبلغ رئيس الدولة، الأمر الذي قاد إلى تكليفه لرئيس الحزب التالي لليكود في الأكثرية (يائير لبيد).
وبالفعل، بدأت الخطوات بانتخاب رئيس جديد لـ «إسرائيل»، (إسحاق هرتسوغ) منذ عدة أيام بعد اجتماع الكنيست في الأول من يونيو. ولم تمض نحو (24) ساعة، إلا وقد أبلغه المكلف بتشكيل الحكومة (يائير لبيد)، بأنه تمكّن من تشكيل الحكومة بأغلبية تصل إلى (86) مقعداً تقريباً، وهو أمر غير معهود، ويضمن استمرارية أكبر للحكومة لفترة طويلة مقبلة، بغض النظر عن شكل، وعن سياسات الحكومة المتوقعة وغير ذلك من أمور تستحق النقاش لاحقاً.
وخلال أسبوع على الأكثر، إنْ لم يكن أقلّ، ستعلن الحكومة الجديدة، برئاسة (يائير لبيد)، رئيس كتلة «الوسط»، ويتبادل مقعد رئيس الوزراء مع شريكه في تشكيل الحكومة (بينيت). ويدخل «النتن..» مزبلة التاريخ ومعه كلّ من راهن عليه من حكام عرب تابعين وخانعين عوّلوا عليه دعمهم في كراسيهم، وتنكروا للجغرافيا والتاريخ، والمبادئ، والقضية الفلسطينية. وتهيأ لهم أنهم بدعم «النتن..»، وتبادل المصالح معه، وزيادة التطبيع بعد التأسيس له، أنهم بذلك قد تفاعلوا مع الحقبة الصهيونية التي تسود المنطقة.
وفي النهاية، اتضح بعد الإطاحة بالنتن..، أنهم عاشوا وهماً فاضحاً، ولكن بكل أسف بعد أن تجرّدوا من ملابسهم، وأصبحوا عراة كما ولدتهم أمهاتهم!
وختاماً، فقد رحل ترامب المتوحش، والمتغطرس، كما توقعنا، ورحل «النتن..»، من رئاسة الحكومة الصهيونية بعد (12) سنة قضاها في منصب رئيس الحكومة، ومرشح لأن يدخل السجن من أوسع الأبواب ومعه زوجته سارة في قضايا فساد لا نهاية لها. إلا أنّ التوقع الثالث استشرافاً لما هو آتٍ، هو رحيل العديد من «التوابع» في كراسي الحكم في الإقليم. وقد لا يمرّ عام 2021، إلا ويكون استشرافنا العلمي في قراءة المستقبل وفق متغيّرات دولية وإقليمية، قد صادف الواقع ويعبّر عن حقائق موضوعيّة، ونحن معاً في انتظار الغد القريب..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.