إيران تحبط «أوسلو نووي» والمنطقة إلى التصعيد…!
محمد صادق الحسيني
على رغم كل التقارير الموجهة والممنهجة للإيحاء بإنّ توافقاً أميركياً إيرانياً نووياً في طريقه إلى التوقيع بين الطرفين أو أنه منجز أصلاً ولا ينقصه إلا الارادة السياسية، فإن شيئاً من هذا لن يحصل في المدى المنظور.
وكل ما يتم تسريبه من تحت الطاولة على المقلب الآخر إنما هو نجاح المفاوض الإيراني في الإطاحة بمشروع أميركي صهيوني، كان يقضي بإيقاع الإيراني بفخ يشبه فخ أوسلو الفلسطيني، معدّلاً ليصبح مناسباً للساحة الإيرانية.
سيظهر الأميركي مع الأيام محشوراً ومأزوماً وأمام امتحان صعب، فلا هو قادر على ترك طاولة الحوار ولا هو قادر على الإذعان الكامل لما يريده الإيراني كحدّ أدنى من مطالبه النووية المشروعة.
القيادة الإيرانية العليا في المقابل، تبدو مرتاحة داخلياً وخارجياً ولديها العديد من الخيارات سواء أذعن الأميركي لمطالب الحد الأدنى مبقياً على طاولة الحوار، أو رضخ للإرادة الصهيونية ونقض تعهداته لحكومة روحاني.
وفي سياق آخر، علم أن الروسي كما الصيني ليسا مستعجلين على توافق أميركي ـ إيراني، وان كانا ليسا بوارد تخريب أي توافق محتمل.
الأوروبي المتشوق الوحيد لأي اتفاق كان سواء كان سيئاً لنتنياهو أو سيئاً للقيادة الإيرانية، لكنه لن ينال من نتائج المعركة إلا غبرتها.
ما يؤكد ما ذهبنا إليه أعلاه هو الإصرار الصهيوني على جر أوباما إلى حافة الهاوية مع إيران مرة أخرى، من خلال تسعير حدة الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين حول الموقف من إيران وسورية ومحور المقاومة.
ما يعزز تقديرنا هذا هو بدء الأميركي بالبوح بما لديه من خطة ممنهجة لتفكيك المشروع النووي الإيراني في إطار ما يمكن تسميته مجازاً بـ»أوسلو نووي» كما أظهرت تسريبات «الاسوشيتد برس» و»واشنطن بوست» و»نيويورك تايمز». وهو ما لا يمكن قبوله إيرانياً بأي شكل من الأشكال، ما دفع حتى بحكومة روحاني عملياً للإفصاح عن انزعاجها العلني والشديد من سلوك الأميركي غير المنطقي في الجولات الأخيرة من الحوار.
ما يؤكد ويعزز ما ذكر آنفاً أيضاً، هو إعادة تشكل المحور السعودي التركي القطري المصري ضد محور المقاومة على قاعدة تطويب ورقة الإخوان من جهة والعمل بمضمون التحالف الدولي بقيادة أميركا لإعادة تطويب القاعدة وأخواتها تحت عناوين معارضة معتدلة مرة وداعش معدلة ومسيطر عليها مرة أخرى.
ليس هذا كل المشهد الذي يدفع للاعتقاد بأننا ذاهبون إلى اشتعال جبهات المواجهة بين المحورين المقاوم والمساوم.
فيكفي أن ترمي ببصرك إلى أقصى الخليج جنوباً حتى ترى عناصر المواجهة التي أعدت لليمن الثائر على القهر والعبودية والتبعية والانقياد.
فما كان يحرص عليه سيد الجزيرة العربية واليمن الجديد السيد عبد الملك الحوثي من إظهار دبلوماسية هادئة ولطيفة مع السعودية وأميركا، بدا أنه لم يعد ممكناً في ظل قرار مشترك اتخذته كل من واشنطن والرياض بإعلان الحرب على صنعاء الجديدة ومحاولة خنقها ومحاصرتها بمحاولات انقلاب مضاد أو العودة إلى الوراء أو بثّ الفوضى، تماماً كما فعلت في نهاية سبعينات القرن الماضي مع تحولات إيران الثورة آنذاك.
كل ما تقدم يؤكد صحة ما ذهبت إليه القيادة الإيرانية العليا منذ البداية، عندما صرحت بما لا يقبل الشك والترديد، بأنها لا تثق بالإدارة الأميركية، وأنها إذا كانت قد قبلت بالحوار معها فإن ذلك لم يكن إلا من باب إتمام الحجة عليها وإظهار كذبها واحتيالها ومراوغتها أمام الرأي العام الإيراني والدولي.
وعليه يمكن استنتاج ما يلي:
1 ـ لا توافق ولا اتفاق بين واشنطن وطهران في الافق والصهاينة هم من سيخلط أوراق اللعبة التي خطط لها الثنائي أوباما – كيري، لأهداف انتخابية أميركية، محولين البوصلة باتجاه أهداف انتخابية «إسرائيلية» تخدم في ما تخدم السعودي المأزوم عربياً والعثماني المنكفئ إقليمياً واللذين خسرا معركة فتح دمشق الواحد بعد الآخر.
2 ـ لا حوار سعودياً إيرانياً في الأفق المنظور في ظل انقلاب السديريين على إرث عبد الله الشمري، لا سيما بعد قرار الرياض بتسليم أوراقها الأساسية بيد واشنطن والقبول بلعبة تطويب ورقة الإخوان من جديد ومحاولة القبض على حماس المتسللة إلى إيران وإعادتها إلى محور أنقرة – الدوحة، ما يجعل إيران هي الخصم والمنافس الجدي إن لم يكن العدو إذا ما تطلب الأمر، لهذا المحور بدلاً من «إسرائيل» التي قد تتحول إلى حليف لهذا المحور عند الضرورة.
3 ـ لا استقرار للعراق إلا بعد الانتهاء من تطهير غالبية أراضيه من «داعش» وأخواته العاملة تحت الرعاية الأميركية بامتياز، وتبلور مطبخ صناعة قرار عراقي وطني جديد يكون فيه لقوات الحشد الشعبي الكلمة الأساس.
4 ـ لا توافق في لبنان على تركيبة حكم جديدة، ولا رئيس توافقياً في الأفق، نعم قد يظهر إمكان انتخاب رئيس بقوة الإرادة الشعبية، تفرض نفسها على خريطة الرؤساء اللبنانيين التقليديين، بحكم اليد العليا لمحور المقاومة مقابل محور التبعية والانقياد للخارج.