تقرير إخباري الجهاديون في أوكرانيا وسورية
ناديا شحادة ورئبال مرهج
بدا اعتقال ثمانية مواطنين إسبان عائدين من أوكرانيا خبراً لافتاً للانتباه، بقدر ما كشف ازدواجية المعايير التي تمارسها الدول الغربية في تعاملها مع الأحداث العالمية على رغم ما تدّعيه من اهتمامها بتحقيق الاستقرار والعدالة في مقارباتها للنزاعات الدولية. ففي بيانٍ صرحت وزارة الداخلية الإسبانية بأنها قامت باعتقال ثمانية مواطنين إسبان عادوا أخيراً من القتال إلى جانب المناهضين لحكومة كييف المتحالفة مع الغرب في شرق أوكرانيا، في أول عملية اعتقال من نوعها لأجانب شاركوا في المعارك هناك. وبرّرت الداخلية الإسبانية عملية الاعتقال بأن المواطنين العائدين ربما قد شاركوا في ارتكاب جرائم عرّضت السلام والاستقلال في إسبانيا للخطر.
إلى هنا يبدو التصريح منطقياً… فمنطقة شرق أوكرانيا، شكّلت في الآونة الأخيرة منطقة نزاع مشتعلة بين قوات الجيش الأوكراني وقوات الدفاع الشعبي الأوكرانية، في إشارةٍ إلى قوات الدفاع الشعبي المدعومة من روسيا، التي تقاتل من أجل استقلال مقاطعتي لوغانسك ودونيتسك. ولكن عندما نرى الجانب الآخر من التعامل الأوروبي مع المسلحين الجهاديين الذين قدموا إلى سورية لمقاتلة حكومة دمشق الشرعية والذين بلغ عددهم بحسب ما صرح نيك راسموسن مدير المركز القومي لمكافحة الإرهاب في 15 شباط 2015 في شهادته المعدّة لجلسة استماع للجنة الأمن الداخلي في مجلس النواب الأميركي، 20 ألف مقاتل أجنبي من أكثر من 90 دولة ذهبوا إلى سورية، فإننا نرى وبوضوح لا شكّ فيه مدى النفاق وازدواجية المعايير في تعامل تلك الدول مع مقاتلين من الجنسيات الأوروبية. ففي سورية لم تتوقف الحكومات الأوروبية عن الدعوة إلى دعم المسلحين وإرسالهم إلى سورية لإسقاط الحكومة الشرعية، إضافة إلى دعمهم بالأسلحة والمال، وقد أعلنت وزارة الدفاع الأميركية في 17 كانون الثاني 2015 عزمها إرسال 400 جندي لتدريب مقاتلي المعارضة السورية وتقديم الدعم لهم ويأتي ذلك في إطار برنامج دعم تقدمه الولايات المتحدة الأميركية لما يسمى المعارضة المعتدلة.
وتفيد الدراسة التي أجراها المركز العالمي لدراسة التطرّف في جامعة لندن بأن هناك 55 في المئة من المجاهدين الأجانب أعضاء في داعش، و14 في المئة ينتمون إلى جبهة النصرة. أمّا عن طريقة الذهاب، فإن هؤلاء يذهبون إلى سورية أو العراق، عبر حجز تذكرة ذهاب بلا عودة إلى تركيا، ثم التنقل داخليّاً عبر الحدود التركية ـ السورية. كما أعلن مدير جهاز مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي، جيل دو كيرشوف، في بداية العام الماضي أثناء لقائه مع وزراء الداخلية الأوروبيين أن الشبان الأوروبيين الساعين إلى القتال في سورية لا تاريخ إجرامياً لهم وهم مجهولون لدى الشرطة كما أنهم يستغلّون ثغرات في نظام «شنغن» الأوروبي للحدود المشتركة.
ويرى المراقبون أن سياسة ازدواجية المعايير التي تتبعها أوروبا في سياستها بالتعامل مع ملفّات المنطقة منذ أكثر من 100 سنة والتي ما زالت تتبعها الآن في تعاملها مع الجهاديين في أوكرانيا وسورية، سينعكس سلباً على القارة العجوز التي تشكل فيها فرنسا أكبر مصدر للمتطوّعين الغربيين لما يسمى بالجهاد الإسلامي للاشتراك في صراعات مسلحة في سورية والعراق والقتال إلى جانب جماعات ومنظمات إرهابية وقد رأينا ذلك خلال حادثة «شارلي إيبدو» .