هل أطاحت صواريخ غزة المقاومة بـ «النتن ياهو»؟
د. جمال زهران _
بعيداً عن التوقعات العلمية والاستشراف لسيناريوات المستقبل من العام الماضي، كما أشرنا في المقال السابق، لما سيكون عليه العالم والإقليم، يتساءل كثيرون: هل خرج «النتن.. ياهو»، من رئاسة الحكومة غير مأسوف عليه، بسبب صواريخ غزة المقاومة، حقيقة أم لا؟
للإجابة على هذا التساؤل المهمّ، والجدير بالطرح، يمكن تحليل الأهداف التي توخاها «النتن..»، من وراء التصعيد في القدس، ثم ضرب غزة بشكل جنونيّ، والتدمير، وذلك بالمقارنة بحجم الإنجاز الصهيوني في الواقع العملي، وهل اتسق المنجز مع الهدف الموضوع أم لا؟ بعبارة أخرى، فإنّ منهج الوصول للإجابة يتمحور حول المقارنة بين الهدف والمنجز، للوصول إلى الفشل الذي وصل إليه «النتن..» والذي يتضح أو يترجم في تمكن كل خصومه من التجمع لإسقاطه في وقت قاتل فعلاً.
فماذا عن الأهداف التي توخاها «النتن..»، في تحريك الأحداث حتى وصلت إلى المواجهة العسكرية الشاملة بين الكيان الصهيوني من جانب، وبين المقاومة الفلسطينية في غزة بكافة فصائلها، من جانب آخر؟
ويمكن بلورة الهدف الرئيسي، والأهداف الفرعية في ما يلي:
فالهدف الرئيسي هو، تحريك الأحداث، بحيث يبدو أنه لا يمكن الاستغناء عنه في رئاسة الحكومة باعتباره الضامن الرئيسي لتحقيق «الأمن القومي الصهيوني»، وأنه بطبيعة الحال هو الشخص القوي والجدير بالاستمرار في رئاسة الحكومة.
ويعزز من ذلك، عنصر التوقيت، حيث اختار موعد تكليفه بتشكيل الحكومة، ورغم مرور المدة القانونية على تكليفه بذلك، دون إنجاز حقيقي لهذه المهمة، خلال تحريكه للأحداث ابتداءً من القدس، إلا أنّ «النتن..»، راهن على عجز خصومه عن تشكيل الحكومة أيضاً لتعود إليه للقيام بهذه المهمة ثانية، بعد أن يكون قد أنجز مهمته في «تأديب» الفلسطينيين، وتقليم أظافر المقاومة، والانتصار عليها، مع توسع دائرة التطبيع العربي من بعض الأنظمة في الخليج بالإضافة إلى السودان والمغرب، وذلك حسب تقديراته وإشاراته!! وقد تغافل عن الحادث في صفوف المعارضة من تطورات نوعية كشفت عنها المواجهة العسكرية على الأرض.
إذن، فقد كان الهدف الرئيسي «للنتن..»، هو الاستمرار في رئاسة الحكومة. وقد يحقق هذا الهدف الرئيسي، عدة أهداف فرعية، منها: استمرار حصانته مما يؤدي إلى تجميد أو تأجيل محاكمته هو وزوجته سارة، عن تهم الفساد العديدة، والتي من المؤكد أنها ستودي بهما إلى السجن، مثل سابقيه (أولمرت وغيره)!! فضلاً عن استمرار وثاقة علاقاته مع الدول الجديدة المطبعة في مقدمتها دول «الإمارات»، التي تظهر وداً بشكل غير طبيعي، وانجرافاً يصل إلى الانحراف والخيانة بل والعار، في التعامل مع الكيان الصهيوني (دولة «النتن..»). وبطبيعة الحال يستطيع بعد ذلك تحقيق مصالح الشعب الصهيوني، وضمان مستقبله وازدهاره، بواسطة تدفق المال العربي الخليجي الذي يسهم في رفع مستويات معيشة سكان الكيان الصهيوني. فضلاً عن تحقيق أهداف أخرى منها: تأكيد سيطرته على القدس كاملة، بالتهجير القسري لملاك البيوت من الفلسطينيين، في حي الشيخ جراح، ظناً منه أنّ حليفه ترامب المتغطرس، لا يزال في السلطة، وهو الذي أعطاه وعداً لا يملكه، لمن لا يستحق، على وزن وعد بلفور عام 1917، بأنّ القدس كلها عاصمة لـ «إسرائيل»، ونقل السفارة الأميركية إلى هناك!
ومن ثم يستطيع بأفعاله الإجرامية هذه، أن يؤثر على الرئيس الأميركي الجديد، ويفرض عليه أجندة ترامب في الدعم المطلق للنتن، والكيان الصهيوني متغافلاً عن حقوق الفلسطينيين! فضلاً عن ذلك فقد استهدف «النتن..»، أيضاً، أن يظهر كأنه الآمر الناهي في المنطقة، وأنه أصبح المتحكم فيها، ولا يوجد فيها من ينافسه، وهو القادر على أن يقرّر مصيرها حرباً أو سلماً، في ظلّ تراجع قوة الأطراف الإقليمية الحليفة للولايات المتحدة، وفي ظلّ تهديداته المستمرة لمحور المقاومة في الإقليم، وفي المقدمة إيران ثم حزب الله في لبنان، ثم سورية المقاومة أيضاً.
على الجانب الآخر، ماذا حدث ثم تطوّر ليصل إلى المواجهة العسكرية؟ قام «النتن..»، بتحريك الأحداث في القدس، وهو يدرك مدى حساسيتها بالنسبة للمسلمين والمسيحيين على حدّ سواء. حيث أصرّ على فتح ملف التهجير القسري للفلسطينيين في حي الشيخ جراح، وطردهم، ولم يكن يتوقع رد الفعل الشديد من الفلسطينيّين. وكذلك أصرّ قبل بدء شهر رمضان على منع الفلسطينيين من الصلاة في المسجد الأقصى وغلق أبوابه، فكان ردّ الفعل القوي، والإصرار الفلسطيني بتوحد كبير على فتح المسجد للصلاة. ومع العناد والإصرار الصهيوني في تصعيد الأحداث، فقد صدرت التحذيرات تباعاً من المقاومة الفلسطينية، التي توحّدت معاً بعد أن كان يتصوّر أنّ المقاومة فقط هي «حماس»، ففوجئ بكلّ المقاومة معاً ضده.
وباندلاع انتفاضة القدس طوال شهر رمضان، وتحرّك الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، وفقدان سيطرة السلطة الفلسطينية على المتظاهرين ضدّ الكيان الصهيوني، رغم محاولة التحكم فيها ومنعها أصلاً، وكل ذلك باء بالفشل. والجدير هو تحرك «فلسطينيّي الداخل» ضدّ الكيان الصهيوني، وهم الفلسطينيون الذين يرزحون تحت الاحتلال، ويعانون منه، والذين يتمّ تسويقهم على أنهم «عرب إسرائيل»!! وهو مصطلح مضلّل تماماً!! وهذا التحرك كان مفاجأة للنتن. فماذا كان ردّ فعله، هو الهجوم البربري على قطاع غزة بالتدمير العمدي والعشوائي لأبراج سكنية، واستشهاد نحو (250) فلسطينياً، والأغلب أطفال وسيدات وكبار سن، في فضيحة جديدة لهذا الكيان «الابرتيهايدي»، العنصري والتمييزي. إلا أنّ المقاومة الفلسطينية الموحدة، بقيادات جديدة تحت زعامة محمد ضيف، ويحيى السنوار، استطاعت أن تنفذ ما هدّدت به من ضرب مدن كبرى في مقدمتها عاصمة الكيان (تل أبيب، وحيفا ويافا واللد وغيرها)، وهو ما سبقت الإشارة إليه في المقال السابق. حيث أطلقت المعارضة (4200) صاروخ وصل مدى بعضها إلى (250) ك.م، اضطر «النتن»، أن يغلق المطار، ويدعو الصهاينة إلى الملاجئ والخنادق. ووصل الأمر إلى إعلان رسمي بوقف النار من جانب واحد هو الكيان الصهيوني، ولم يستطع أن يعلن انتصاره كما كان في المرات السابقة. وكان كل مشروعه في تحريك الأحداث، ليظلّ قابعاً في رئاسة الحكومة الصهيونية، فاشل بامتياز.
لذلك، وبحسم، فإنّ صواريخ المقاومة الـ (4200)، وعلى مدار (11) يوماً (10-21 مايو)، قد اغتالت «النتن..»، سياسياً والدفع به إلى السجن قريباً، وتغيير المعادلات في القوة والمشهد الإقليمي كله، والآتي هو النصر الدائم وتدمير الكيان الصهيوني بإذن الله.