مواجهة الإحتكار قرار
– سواء استمرّ الدعم أو توقف فالأكيد أن سبباً وجيهاً لاحتكار السلع يدفع بعدد من كبار التجار لإخفاء ما لديهم من سلع تمّ شراؤها على سعر دولار منخفض، لبيعها بسعر السوق، في الداخل اللبناني إذا تم رفع الدعم أو تهريبها للخارج اذا استمر الدعم، والأكيد أن الدول بكل أنواع أنظمتها الاجتماعية لا تقوم على الرهان على أخلاقيات التجار وحسن نياتهم وأمانة تصرّفاتهم، ولهذا توضع القوانين وتُصدَر القرارات وتوجد أجهزة الرقابة.
– تحدّث بعض السياسيين ممن يفترض أنهم يمثلون شرائح شعبيّة عن لا شرعية مداهمة مستودعات التجار بداعي منع الاحتكار. وهذا الكلام الغريب العجيب الذي يتلطى بالحديث عن حرية السوق والتجارة، ويتّهم الدعوة لملاحقة الاحتكار بتغيير النظام الاقتصاديّ في لبنان من اقتصاد حر الى اقتصاد موجّه، والبعض يقول اشتراكيّ تأميميّ وبعض آخر شديد العبقرية قال شيوعيّ.
– لا يحتاج الأمر الى عبقريّة لكشف موقع هؤلاء الشريك للاحتكار، فوفق القانون اللبنانيّ كل عمليات الاستيراد التي تمّت بدولار مدعوم، تعني عمليات شراء لبضائع بالشراكة بين الدولة والقطاع الخاص، فعندما يكون الدولار في السوق بـ 15000 ليرة ويكون تمويل الاستيراد قد جرى على شراء الدولار من مصرف لبنان التابع للدولة بـ 1500 ليرة تكون الدولة موّلت 90% من العمليات والتاجر مول 10% فقط، أي أن الشعب اللبناني الذي يتصرف مصرف لبنان بودائعه في عمليات الدعم شريك بـ 90% والتاجر شريك بـ 10% في شركة استيراد واقعية لكل عملية استيراد ويتولى التاجر إدارتها بالأمانة، وللشعب ممثلاً بالدولة الحق بالاطلاع على دفاتر الأمانة والتدقيق بكيفية التصرف بالـ 90% من المال العائد للشعب.
– التاجر الذي يريد تجارة حرة فليقُم بشراء السلع بدولار من السوق لا يمرّ عبر دعم مصرف لبنان، وكل عملية استيراد استفادت من دولار مدعوم هي عملية شراكة تملك الدولة حق مراقبتها ليس لمنع الاحتكار فقط، وهو يسري على كل تجارة، بل أيضاً لمعرفة كيف تم التوزيع وبكم تمّ الشراء، وإلى أين ذهبت البضائع، وكيف يتمّ تخزينها.
– الذي يجري هو العجيب، أن التاجر يحصل على الدولارات، لقاء شراء كميات من سلع بأسعار، ولا أحد يدقق: هل وصلت كامل الكميات المصرَّح عنها إلى لبنان، أم وصلت على الورق الذي تم تصديقه في المرفأ، وما أدراك ما المرفأ، ولا أحد يعلم صحة الأسعار المصرح عنها، ولا الى أين ذهبت السلع وكيف تمّ توزيعها؟ وهل بيعت في الخارج قبل وصول بعضها الى لبنان، وما وصل الى لبنان أين تمّ تخزينه وكيف يتمّ توزيعه؟
– الأشد غرابة أننا نسمع من مجموعات تدّعي ملاحقة الفساد والفاسدين، تهتم بتصفية حسابات سياسية وفتح ملفات خصوم، لكننا لم نشهد صحافة استقصائيّة تلاحق مليارات الدولارات التي أنفقت باسم الدعم، لكشف مصيرها، ومعرفة المستفيد الحقيقي منها، حتى تهريب البنزين إلى سورية المصمّم لتخريب الاقتصاد السوري وليس لنجدته بالمحروقات، فالتهريب يسحب الدولارات السوريّة الى سماسرة التهريب خارج سورية، يجري الحديث عنه للتصويب السياسيّ على سورية كمستفيد، لكن أحداً لا يكلّف نفسه عناء الملاحقة للمستفيدين الحقيقيين.