رهانات بايدن بوجه موسكو وبكين فاشلة
الرحلة الأوروبيّة للرئيس الأميركي مثلثة الأبعاد، بُعدها الأول استنهاض مجموعة السبعة الصناعيين لخطة مواجهة مع صعود الصين، وبُعدها الثاني استنهاض حلف الناتو لخطة مواجهة بوجه التقدم الروسي، وبُعدها الثالث حمل حصيلة المهتمين الى لقاء القمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتفاوض من موقع القوي في قضايا الخلاف.
عملياً تعثرت قمة السبعة عند التسليم بالعجز عن منافسة الصين في قضيتين يتوقف عليهما مصير أية مواجهة، الأولى هي بيع الصين منجاتها بأسعار غير قابلة للمنافسة، فكان الجواب هو مناشدة الصين لوقف هذه المنافسة والتمسك بالضغط الطويل المدى عبر اتفاقيات المناخ لفرض ضوابط متشدّدة على التزام الصين بمعايير بيئية ترفع كلفة إنتاجها، والثانية هي تقدّم ثابت ومضطرد يحققه مشروع الصين لربط الجغرافيا الآسيويّة، والمسمّى بخطة الحزام والطريق، وما قررته قمة السبعة سيبقى حبراً على ورق لسنوات حتى يتبين حجم تأثيره تحت عنوان الاستثمار في البنى التحتية للدول النامية في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وهو استثمار سيبقى محكوماً بالتصنيفات السياسية وحسابات المخاطر، ما يجعله محدود الأثر، في ظل دعوة الصين لمراعاة معايير الغرب في اختيار الدول التي يتمّ ضمّها لخطة الحزام والطريق تحت الشعار التقليديّ، حقوق الإنسان.
عملياً أيضاً تعثرت قمة الأطلسي، لأن لا شيء لدى الحلفاء يقدمونه لواشنطن في مجال التنافس التكنولوجي عسكرياً مع صعود قوة روسيا وتفوّقها في مجالات تقنية عسكرية عديدة، ولا جغرافيا إضافية للانتشار يضيفونها لجغرافيا الانتشار الأميركي العسكري الآخذ في التقلص بعد نتائج الفشل في حروب آسيا، خصوصاً أفغانستان والعراق، ما جعل لتركيا مكانة خاصة في القمّة، بحيث صار الرهان على فصل علاقتها بروسيا موقع بيضة القبان بتقرير مصير القمة، وعادت العقدة كما كانت، تخلي واشنطن عن الأكراد شرط تركيّ دائم، لا تستطيع واشنطن تلبيته، والتسليم بخصوصية تركية، لا يستطيع الأوروبيون تحمّلها.
بالمقابل تبدو المواجهة الأميركية مع روسيا والصين محددة في الميدان الآسيوي، الذي يشكل مسرح الصراع على الطاقة والتجارة في العالم، وهذه المواجهة لا تبدو لصالح واشنطن، فروسيا والصين ومعهما إيران بات تمسك بالجغرافيا الآسيويّة، وهما أصلاً أكثر من نصف مساحتها ونصف عدد سكانها، ومصدر الثروات الطبيعيّة في آسيا وأساس قوتها الاقتصادية، وقدرتها العسكرية، ومثلث بكين وموسكو وطهران يمسك آسيا من كل الجهات، ويجعل الاشتباك على الجبهة الغربية منها، حيث معركتي سورية واليمن نقاط الارتكاز، وحيث لا مناص لواشنطن من التسليم بالفشل.