حديث خواطر لبنانية مكسورة!
} د.وفيق إبراهيم
ما يحدث في كامل مناطق لبنان لا يرتقي أبداً الى مستوى وطن موحّد لديه شوارع متصلة بمشاعر وطنية واحدة. فما لديه لا يخرج عن إطار هيمنة أحزاب طائفية لديها زعامات تقليدية تمسك بالانقسامات داخل الصيغة السياسية التقليدية وتديرها كيفما اتفق او تعمد الى تحريك شارعها عند الضرورة في منافسة مع قسم آخر من الصيغة الوطنية.
هذه الفئات الراعية تراقب عن كثب من دون أي تدخل هذه الانهيارات ولا تمنعها فتبدأ بالكهرباء الى المازوت والبنزين والحليب والدواء وصولاً الى المواد الغذائية، حتى أنها تجرأت على رفع الدعم عن أسعار مجمل المواد الغذائية في بلد كلبنان يستورد تسعين في المئة من إنتاجه، بذلك لن يطول الأمر حتى نصل الى مجاعة كاملة.
لذلك يبدو لبنان في وضعية ثلاث مناطق كبرى يهيمن على القرار فيها الرئيسان ميشال عون ونبيه بري والرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري، فكل واحد من هؤلاء يمسك بمنطقته المذهبية من “خانوقها” وتلابيبها فلا تتحرّك إلا بغمزة واحدة من عينيه الباسمتين والركون الى صمت “مخيف”.
إن نتائج هذه الوضعية تكشف عن “وقتية” عمر لبنان وتؤكد مجدداً أن واحداً فقط من هؤلاء “العتاريس” بوسعه تعميم اضطرابات في كامل لبنان بشكل تتخالط فيه مناطق الأغنياء مع أحياء الفقراء مع الايحاءات الخارجية التي لا تزال تصل إنما “بقطارة” حليب طفل صغير.
البحث عن الأسباب موجود في مرحلة العلاقات الأميركية الروسية التي لم تكن قد بدأت تشهد تنظيم لقاءات لاقتسام العالم بين بوتين الروسي وبايدن الأميركي.
فهل هذا يعني أن عصر التسويات انطلق مع انعقاد اللقاء الأول لهذين الرئيسين؟
هذا افتراض من مئات الافتراضات الأخرى بيد أن ما هو مهم هنا أن الملف السوري – الإيراني كان مادة بحث بين الرئيسين. وهذا يعني فوراً لبنان المرتبط بهذه التقاطعات لتمحوره الكامل على الخط السوري – الإيراني الإسرائيلي وبالتدريج الفرنسي.
فهل تنعكس هذه الصورة على الوضع اللبناني؟ لم تنعقد بين الروسي والأميركي اتفاقات نهائية حول الوضع السوري – اللبناني ما يعني ان الساحة اللبنانية لا تزال على موشحاتها، لأن كل رئيس يريد إثبات نظرية “أنه الأقوى” لكسب التأييد الروسي او الأميركي.
ألا يعني هذا الأمر احتمالات بانفجارات واسعة في لبنان لن تصل الى حدود التفجير، لكنها تسعى الى تكريس سلطة مذهبية في آليات تركيب السلطة في لبنان بمعونة خارجية بالطبع.
فيبدو لبنان كما كان في سبعينيات القرن الماضي وأيضاً في صميم التسعينيات، فهناك طرف خارجي يملي دائماً على قيادات لبنان مصائرهم السياسية.
فهل يذهب لبنان نحو هذا السياق؟
هناك عدة أهميات للبنان؟
– يشكل حاجة لدخول الفرنسيين الى المنطقة.
– يشاكس الاهتمام الأميركي بـ”إسرائيل” عبر حزب الله وتفرعاته والاحزاب التي تؤيده.
– يشكل اهتماماً أوروبياً غربياً عاماً لأنه رأس الجسر السوري العراقي الإيراني الحامل في طيّاته كثيراً من الغاز والنفط والقدرة على الاستهلاك من دون رحمة.
– بات لبنان دولة واعدة بالغاز في سواحله الشمالية السورية والجنوبية مع فلسطين المحتلة ونقاط الالتقاء البحرية مع قبرص قبالة جبل لبنان والبترون.
– السياسة اللبنانية تشبه الى حدود مقبولة السياسة التعددية المعمول بها في أوروبا وأميركا.
ما يجعلها محميّة من الفرنسيين والأميركيين بكل ما يشوبها من سقطات فضائية، لذلك يرى الغرب ضرورة حمايتها كممر سياسيّ أيديولوجي يؤدي الى دنيا العرب، حيث تشدّد انظمة العائلات وهي أسوأ من الأنظمة الملكيّة.
لبنان إذاً مصاب بسقطات اقتصادية قاتلة وانفجارات سياسية تنعكس على وحدة نظامه، وهذا يعني انفجاره كما كان يرى وزير الخارجية الاميركي كيسنجر الى عبر حلول للقضية الفلسطينية بتوطين البعض منهم في مناطق مستقلة لهم في الجنوب ومناطق سورية ترضي النازحين من جهة، والدولة السورية من جهة ثانية، وتخصيص مسيحييه بكانتون في معظم انحاء جبل لبنان.
وهذا ينهي لبنان الانتداب الفرنسي مؤسساً للبنانات فرنسيّة وأميركية قادرة على إنهاء قضية فلسطين والصراع اللبناني – اللبناني والصراع السوري – اللبناني وكفى الله المؤمنين شر القتال في وقت واحد ومتزامن.
ما هو طريف هنا أن الزعامات الوطنية نفسها التي كان معتقداً أنها الأكثر تمسكاً بوطنية لبنان، قد نجدها تقود الصفوف لحيازة قطعة مذهبيّة من هذه اللبنانات لتستمر في الفساد والقيادة والإفساد. إنما بكميات أقل بقليل.
فهل يذهب لبنان نحو هذا القدر الدراماتيكي؟
إنه ذاهب إليها كما تبدو صورته في الوقت الحاضر خصوصاً مع الابتعاد النسبي الفرنسي والتخلي عنه من قبل دول شبه جزيرة العرب، خصوصاً السعودية التي كانت تحكم لبنان من خلال رفيق الحريري وورثته وتركته وحيداً لا تسمح لزعامته حتى بزيارتها.
لبنان إلى أين؟
عليه أن يترقب حركة الاتصالات الأميركيّة الروسيّة وهل توصلت الى تسويات في الملف السوري – الإيرانيّ مع “اسرائيل” في فلسطين المحتلة. او أنجزت تسوية تحت عنوان وقف إطلاق نار إقليمي لا بد ان ينعكس لجهة استتباب الأمن في الداخل اللبناني، لكن قد ينزح لبنان نحو الحل الثاني، لكن بوسعه ايضاً أن يستنفر رؤساءه الثلاثة واحزابه الفولكلورية او تلك النائمة في فراش مع آلياته الدينية التي لا تستنفر الا للدعوة لمزيد من التشدد والخراب.
يستطيع اللبنانيون أن يجمعوا كل هؤلاء للإصرار على الحل الأول الذي ينتج دولة تصبح وطناً مع تراجع الفساد، وهذا نادر في تطور الاوطان الى دول وليس العكس كما كان في لبنان الحالي.
التسوية أم الاختراعات اللبنانية ونحن ذاهبون إليها على وقع التفاهمات الدولية بقي على اللبنانيين ان يُصرّوا على وطن يحمونه حتى بالسياسات الإصلاحية.