بيع الأمل… صناعة الزعامة باراك أوباما… ورفيق الحريري إلى عبد الفتاح السيسي

د. جواد شاهين

قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية المصرية، يظهر التفوق الواضح للمرشح المشير عبد الفتاح السيسي في استطلاعات الرأي في مصر. يعزى هذا التفوق في جزء منه إلى عدم ترشح أحد من الفريق الإسلامي، المعارض الرئيسي للسيسي والذي يشكل جزءاً لا يستهان به من الشارع المصري، واقتصار المنافسة بين المشير والمرشح حمدين صباحي الذي ينتمي إلى نفس الجهة في الخصومة مع مرسي والإسلاميين.

هذا التأييد الكبير للسيسي في الشارع المصري العائد أساساً لمجموعة من الأسباب ما يعنينا من بينها ما كان من دور فعال لوسائل الإعلام في إبراز الرجل وإظهاره وتقديم صورته بصفته «المنقذ» لمصر وشعبها.

يشير هذا الدور إلى تطور دور وسائل الإعلام السياسي في إتقان مهنة جديدة لا يستطيع المواطن تحليلها بمفهوم قوانين العرض والطلب ومعادلات التسويق واللعبة تقوم الاستثمار والبناء على عناصر واقعية محورها التركيز على مساوئ أو أخطاء الحاكم في سبيل قلب الرأي العام ضده خدمة لمنافسه وليست مجرد لعبة مفتعلة فيستحيل النجاح بها عندما تلعب منفردة وتفتقد المقومات والجوهري فيها القدرة على توظيف المساوئ المعيوشة في حياة الناس لربطها بفشل الحاكم من جهة والقدرة الموازية على بيع الأمل الذي يجسده الحاكم الآتي.

ففي أميركا، يعود جزء كبير من فوز أوباما في الانتخابات الرئاسية عام 2008 إلى أنه جاء مباشرة خلفاً للرئيس السيء جورج بوش ومناوئاً لنهجه في شن الحروب التي أرهقت الاقتصاد الأميركي ولم تقض على الإرهاب، وليس بسبب برنامج أوباما الانتخابي فقط.

كذلك الأمر في فرنسا حيث أدى سوء إدارة الرجل القوي الرئيس نيكولا ساركوزي وغطرسته إلى جعل إمكانية الفوز عليه امراً ممكن التحقيق، فكان فوز فرنسوا هولاند الذي، للمفارقة، لم يشغل في حياته أي منصب رسمي قبل تبوّئه سدة الرئاسة.

أمر شبيه ومن زوايا مختلفة يتكرر في مصر حيث أن أي مرشح يواجه نهج محمد مرسي سيتمتع بنسبة جيدة من التأييد الشعبي بغض النظر عن البرنامج الشخصي لهذا المرشح. هذا التأييد الشعبي الساحق للسيسي المرتبط أساساً بعنوانين مفعمين بالرومانسية واحد اسمه في كل بلدان الشرق أن إفلاس الطبقة السياسية يعادل تلقائياً شعار الجيش هو الحل والثاني هو التعلق بماضي الأمجاد والعزة التي تستثيرها صورة جمال عبد الناصر في الذاكرة الجمعية للمصريين، فكيف عندما يعيش المصريون قلق المهانة والمذلة المتراكمتين منذ رحيل عبد الناصر وقلق الأمن الضائع منذ بداية حكم مرسي؟

قوة الإعلام هنا هي في قدرته على ربط اليأس بالحاضر وبيع الأمل مع مرشح المستقبل.

يذكرنا هذا على رغم اختلاف الأشخاص والظروف والمعطيات وربما الماضي والمستقبل لكل من التجربتين بالتأييد الكبير للرئيس رفيق الحريري في الأيام التي سبقت وصوله إلى السلطة قبل عشرين عاماً ونيف. اعتمد الحريري يومها، بالإضافة إلى تأييد نفس الجهة الخليجية الداعمة للسيسي اليوم وهي المملكة العربية السعودية، على دعاية إعلامية مهدت لاستلامه الحكم من دون منازع حيث تم تصويره على أنه المنقذ الأوحد للشعب اللبناني من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بعد الحرب الأهلية الطاحنة. وقتها، نذكر جيداً كيف تمت «شيطنة» رئيس الحكومة عمر كرامي وتنظيم التظاهرات التي عمت البلاد مطالبة بإسقاط حكومته وتحميله مسؤولية انهيار العملة، كل هذا ضمن خطة ممنهجة لتلميع صورة «المنقذ» الحريري أمام الناس.

عمل الحريري في الفترة الأولى على تقوية مجموعته الإعلامية، اشترى أسهماً في معظم وسائل الإعلام اللبنانية، وتم الضغط على الشخصيات ووسائل الإعلام التي عارضت نهجه. لعبت الدعاية الإعلامية والرعاية الدولية دوراً في الترويج للحريري على أنه الرجل-الفرصة للبنان وشعبه، وأظهر الواقع بعد سنوات أن الحلم ما كان إلا سراباً، حيث أدت السياسات الاقتصادية والمالية لنهج الحريري إلى دخول لبنان في أزمة اقتصادية خانقة منذ سنوات.

المشترك هنا ليس اتهام السيسي وفريقه بافتعال شيطنة مرسي ولا نسبة الملائكية لمرسي كما يصح القول بنسبة معينة في حالة الرئيس عمر كرامي ولا يصح بأي نسبة في حالة مرسي وليس أيضاً رمي التأييد الشعبي كله على حملة إعلامية مهما كانت مصادر قوتها فهي لن تنجح بتغيير الوقائع وصناعة الآمال بل المشترك هو حرفة توظيف الوقائع ومهنة صناعة الربط بين الحاضر واليأس والأمل والمستقبل وهي حرفة تزيد قيمتها بالنجاح المحقق وفقاً لمعادلات التسويق والعرض والطلب عندما تنطلق من معطيات أقرب للواقع فيصير لمفعولها قدرة الاستدامة كما يحدث عندما نشتري سلعة نكتشف مطابقة وصفها في الإعلان مع ما نجد فيها من ميزات بل عندما نكتشف ما يسميه الباعة بخدمة ما بعد البيع وهو ما شكل نقطة ضعف حملة الحريري وربما يشكل مصدر قوة حملة السيسي.

شعار نعم نستطيع وشعار هي مصر وشعار البلد ماشي من أوباما للسيسي للحريري علامات على دور الإعلام في صناعة الزعامات.

سيفوز السيسي في الانتخابات وسيهلل المصريون لذلك وستتوافد الوفود المهنئة إلى القصر الرئاسي في مصر. بعض الخوف هو من رؤية نسخة منقحة بالوجوه والأسماء والمكان عن سيناريو وصول الحريري إلى السلطة عام 1992. وبعض الأمل هو من تفاوت الظروف والخبرات والتجارب والمجتمعات والأشخاص.

يبقى الفصل للمقبل من الأيام والسنين.

دكتور في القانون وأستاذ جامعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى