استشهاد الثور المجنح… انتقام أورشليم من بابل ومن نبوخذ نصر
نارم سرجون
لم أكن يوماً أتصوّر أنّ للتماثيل دماء تجري فيها وأنّ لحم الحجر قد يصبح بعضاً من لحمك… ولم أكن أتصوّر أنّ للحجر حشاشة وعروقاً من حياة وأنّ قلوب البشر أقسى من قلوب الحجر… ولم أكن سمعت قبل اليوم أنين الصخر ولا توجّع النحت… لكنني بالأمس رأيت تماثيل بابل تنزف دماً ورأيت قلوبها تتوقف عن الخفقان… وأحسست بضربات المطارق تهوي على قلبي وتحطمه…
كان المشهد غريباً جداً وأنت ترى البشر الذين يهدمون الأصنام هم الأصنام وتماثيل النحت العظيم صارت من لحم ودم… هذه أول مرة أرى فيها أصناماً هي التي تحطم أجساداً من لحم ودم… وهذه أول مرة أسمع فيها وجع الملوك العظام في صوت الصخر الذي هوت عليه المطارق والأزاميل المتوحشة…
بالأمس أبكاني الحجر الذي وقفت عاجزاً عن إنقاذه… أبكاني لأنه لم يبك ولم يتوسّل وهو يتلوّى ويهوي في مجزرة النحت العظيم… لكنه كان ينظر غاضباً معاتباً في عيون هذه الأمة… التي تحطم ملوك الصخر وتبقي ملوك الرمل والوحل… ولم تتعلم من ملوكها العظام كيف تبقى واقفة… وتموت واقفة…
ليس عندي شك أنّ «إسرائيل» كانت بالأمس تعيش أجمل أيامها وترقص منتشية بنصر انتظرته 3000 سنة… وهي ترى الملك الذي قهرها وأذلّها كسيراً ذليلاً وقد سال دمه واختلط دمه بدم من بقي من شعبه… فقد انتهى مشهد التاريخ الذي امتدّ ثلاثة آلاف سنة وبدأ بالسبي البابلي… وانتهى باستشهاد الثور المجنح… ونبوخذ نصر…
أخيراً ثأرت «إسرائيل» ممّن سباها واستعبدها… وحطمت تماثيله وأكلت كبده وأكباد تماثيله… انتظرت «إسرائيل» 3000 سنة كي تحطم ملك بابل وثيرانه المجنحة… إياكم أن تظنوا أنّ من كان يحطم تماثيل نينوى والعراق هم وحوش «داعش»… لأن الدواعش لصوص وقتلة ومهووسون بالجريمة وبيع البشر والحجر كما فعل «ثوار سورية» في معبد جوبر الأثري القديم الذي أهدوه بمحتوياته إلى «إسرائيل»… والدواعش مهووسون ببيع السبايا واغتصاب الصبايا… ولا يعرفون شيئاً عن التاريخ قبل محمد بن عبد الوهاب… هؤلاء أدوات جامدة غير عاقلة لا تشبه إلا المعاول التي هدمت النحت… ولكن تحطيم التماثيل التي تحمل جسد التاريخ والتي يتكئ عليها كلّ الزمن القديم وكلّ قصص الحضارة هو فكرة «إسرائيلية» وهاجس يهودي مقدّس… فلا يوجد في الدنيا ثأر مع بابل وملوك بابل وآشور سوى ثأر أورشليم القديمة… أورشليم التي سُبيت مرتين وتعرّضت للخراب مرتين… لم تنس ما فعله بها ملوك بابل وأبطال آشور طوال 3000 سنة… ولم يقدر عليهم ملوك بني «إسرائيل» وأنبياؤهم… فأرسلت عليهم «داعش» وخلفاءها… وهكذا غسلت أورشليم يديها من دم التماثيل كما ستغسل يديها من دم المسجد الأقصى ومن دم جميع المجازر التي ارتكبتها ونسبتها إلى النظام السوري بمعونة المعارضة السورية…
أورشليم الناقمة على بابل التي دمّرتها مرتين لا تريد في هذا الشرق أثراً إلا لها بعد اليوم… وإلا فكيف يمكنها أن تدّعي ملكيتها للأرض من الفرات الى النيل اذا بقيت فيها وثائق الملكية وأوراق الطابو المتمثلة بالآثار والتماثيل والنحت الذي ينطق ويتحدث في أي محكمة للتاريخ… أليس الثور المجنح يشبه الختم الملكي الذي تختم به الوثائق الكبرى للزمن؟ هل تصحّ وثيقة في بلاد ما بين النهرين والشرق من دون شهادات النحت وأيقونات الممالك؟ أليست تلك التماثيل المجنّحة هي الشهود الحقيقيون على ملكيتنا لهذه الأرض…
بعد استشهاد الثور المجنّح وقطع رؤوس تماثيل الملوك والأباطرة ترتجف في الشرق التماثيل والأعمدة الباسقة والمساجد والكنائس… وحتى أبو الهول يبدو متوتراً جداً ونزقاً جداً وهو يرى نظيره أبو الهول العراقي مجندلاً على الأرض محطماً بعد ان صمد ثلاثة آلاف سنة… ولا يخفى على أحد أنّ هرم خوفو خائف أصفر ممتقع الوجه… فبعد موت الثور المجنح صارت كلّ الملوك تخشى انتقام أورشليم التي لا تنسى… والتي خبّأت حقدها المعتق آلافاً من السنين… ولن يبرد قلبها الا بعد ان تحطم كلّ شيء في الشرق من الكعبة الى صليب المسيح الى معراج النبي محمد في القدس الى مرقد علي في النجف صاحب فتح خيبر… ولا يبقى في الشرق إلا حائط المبكى…
ومنذ زمن كنا نعرف أنّ «إسرائيل» مهووسة بهدم المسجد الأقصى وتعمل عليه ليل نهار… ولكننا لم نكن نعرف كيف ستنفذ الجريمة الى أن سقط الثور المجنح… وتهشمت أختام الزمن ومات الشهود وبقي الشهود الزور… فـ»إسرائيل» لن تهدم الأقصى بيدها بل ستعيد تنفيذ مشهد هدم ملوك العراق بيد «داعش» فلسطينية التي ستشبه «داعش» العراقية في كلّ شيء… وأخشى أن ينهار المسجد الأقصى على ركبتيه وتتدحرج قبته كما تدحرجت رؤوس ملوك بابل بيد دواعش المسلمين… وأخشى أنه لن تنجو كنيسة المهد ولا كنيسة القيامة… ولن تنجو الأهرامات ولا أبو الهول… فمن يسرق قناة السويس ويقتلها بخنجر قناة البحرين سيسرق الأهرامات وسيقتل أبا الهول من دون رحمة…
ربما انتهت دورة من دورات التاريخ منذ أيام عندما حطمت «إسرائيل» الثور المجنّح بيد «داعش»… فالزمن نهر من السنوات والعقود يفيض كلّ بضعة قرون… والتاريخ هو مجرى النهر العظيم… وإذا كانت بصمات الزمن ظاهرة في أحداث التاريخ فإن بصمات التاريخ هي في أيقوناته وتماثيل ملوكه وأباطرته وفاتحيه… وهذه الأيقونات والتماثيل هي التي تحمل التاريخ وذاكرة التاريخ وهي صندوق بريد الزمن… ومن يهدمها فإنه يريد أن ينتهي زمن ليبدأ زمن…
اليوم المعركة لم تعد بين معارضين وحالمين بالحرية… ولم تعد بين خطوط الخرائط… وبين محاور وحلفاء… وبين حرية واستبداد… بل هي المعركة النهائية الفاصلة بين ملوك «إسرائيل» القدماء من جهة وبين ملوك الشرق القديم آشور بانيبال… وسرجون الملك الأسد وحفيده نارام سين… ونبوخذ نصر… وملوك سومر وآكاد… التي بدأت منذ آلاف السنين ووصلت الى خواتيمها في أم المعارك… الربيع العربي…
ملوك «إسرائيل» استعانوا اليوم بملوك الزط والنفط وملوك الرمل والوحل… وبملوك الجواري والغلمان في استانبول… واستعانوا بملوك الجنس والسيفيليس… واستعانوا بأصنام بلا ذاكرة سمّوها «معارضة اسلامية»… لتحطم الشرق وكلّ من يسكن الشرق…
فيما ملوك الشرق القديم يستعينون بالأسود… وبأحفاد آشور وأبناء ممالك سورية القديمة وبلاد ما بين النهرين… وبجنود طالما مرّ أجدادهم على أورشليم وتعلّموا فتحها وسبيها… وإذا أرادت اورشليم أن تقفل دورة التاريخ وتوقف التاريخ عن الطيران بإسقاط أجنحة الشرق، فعلينا أن نرفع أجنحة الشرق وعلينا مهمة أن نبدأ دورة التاريخ… دورة التاريخ تبدأ من خراب الهيكل… ولا يمكن أن يبدأ التاريخ ولا أن ينتهي الا في القدس… وثأرنا الآن صار ثأرين… ثأر الشهداء في أمتنا الذين كان كلّ واحد منهم ملكاً يمسك بندقية فيشبه ملك آكاد وأشور بانيبال… وثأر ملوك بابل مجتمعين… من أورشليم…
قسماً… أننا لن نغفر لك… يا تل أبيب… مهما استعنت بملوك الزط والنفط والغلمان وملوك السفيليس… ونعاهدك على اللقاء… في موعد الخراب الثالث.