السيد نصرالله يقطع نصف الطريق بنجاح
ناصر قنديل
– خاض الأمين العام لحزب الله ملفات عديدة في كلمته أمس، وقد خرج منها بحصيلة لا يُستهان بها، فقد نجح بقطع نصف الطريق على خصومه في الملفات التي ناقشها سجالياً، كملف تسليح الجيش اللبناني وملف المثالثة المفترضة في بعض الطروحات المتداولة كفزاعة سياسية حول علاقات الطوائف، وبالمقابل نجح بقطع نصف الطريق نحو خط النهاية في إنجاز الهدف، في الملفات التي تناولها من باب الإشارة لما يقوم به حزب الله أو سيقوم به، كحال المسعى المتجدّد لتنشيط المسار الحكوميّ، أو ملف استيراد المحروقات من إيران بالليرة اللبنانية.
– في البعد السجالي حول الجيش اللبناني والحديث الأميركيّ عن الرهان على تقويته بوجه حزب الله أصاب السيد نصرالله بالتساؤل عما إذا كان الأميركي حريصاً على الجيش عندما يحرّضه على فريق كبير من اللبنانيين ويحرّض هذا الفريق وبيئته على الجيش ويثير شكوكه حول دور الجيش، بينما في موضوع التسليح الذي يُراد من حزب الله أن يخشاه، فالسيد يؤكد انه أول المؤيدين والساعين لتقوية الجيش وتعزيز مقدراته وسلاحه وأن الأميركي هو العقبة أمام هذا التعزيز. وبالطبع يعرف كل متابع كيف ان دولة في حلف الأطلسي مثل تركيا تلجأ لصواريخ دفاع جويّ روسية، ويمنع الجيش اللبناني من أن يشتري أي سلاح نوعيّ يمكّنه من التصدي للاعتداءات الإسرائيلية المتمادية على سيادته وأجوائه.
– في البعد السجالي المتفرّع عن كلام رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل حول الاستعانة بالسيد نصرالله كصديق، أصاب السيد هدفه بالتساؤل عما إذا كانت الاستعانة بغير الصديق وغير اللبناني مقبولة، بينما الاستعانة باللبناني الصديق مذمومة، مضيفاً أن فزاعة المثالثة مبنية على كذبة. فالصيغة المقترحة للحكومة ليس فيها الا ثمانية واحدة، هي حصة رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر كسقف يحول دون امتلاكهما الثلث المعطل، أما الباقي فحصص مختلفة لتشكيلات طائفية وسياسية متعددة لا يمكن احتسابها الا تلفيقاً ضمن معادلات ثمانيات رديفة بنيّة تصويرها تعبيراً عن لعبة مثالثة تجعل التمثيل السياسي من الحصة المسيحيّة لقوى كالمردة والقوميين مجرد امتداد شيعيّ، وقوى وازنة درزياً امتداداً للحصة السنية، ولذلك كل حديث المثالثة مفتعل، ولا حاجة لمناقشته.
– في الحديث عن قضيّة المحروقات ساجل السيد نصرالله الذين لا يرحمون اللبنانيين ولا يريدون أن تنزل رحمة الله عليهم، فاعتراضهم على شراء المحروقات من إيران بالليرة اللبنانية، يترجم بقيامهم بتأمين بديل أفضل، فليقوموا بذلك وسنكون أول المباركين، ولديهم أصدقاء لا تطالهم العقوبات، فليذهبوا إليهم كما ذهبنا الى أصدقائنا، وعندها نقبل ملاحظاتهم، أما أن يكون بديلهم الوحيد ترك اللبنانيين نهشاً لطوابير الذل والأسعار الملتهبة فذلك سقوط أخلاقي وتعبير عن انعدام روح المسؤولية واحتكام للحقد لا للسياسة. وتبقى المهزلة في ما قاله رئيس حزب القوات اللبنانية عن أنه ليس لدى إيران بنزين لتبيعه للبنان بينما منظمة أوبك تعتبرها الدولة الأولى في إنتاج البنزين وفائض إنتاجها عن استهلاكها يعادل استهلاك لبنان عشرين مرة.
– في جوهر مشكلة الحكومة، قطع السيد نصرالله نصف الطريق أيضاً، فهو تلقف بنيّة حسنة ما قاله باسيل بنية حسنة أيضاً. وأعلن ان المتابعة قائمة والاستعداد مستمر، والهدف هو المساعدة على الجبهات المعنية بتشكيل الحكومة لحل منصف قاعدته مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري. وما قاله السيد نصرالله منح اللبنانيين الأمل بأن الأمور ليست في طريق مسدود، حتى لو لم يكن الحل غداً، فإن المساعي مستمرة ولا مكان لليأس فيها، ووجود قوة قادرة على الحفاظ على ثقة المعنيين الأساسيين بالملف الحكومي بمثل ما هو حزب الله والسيد نصرالله اليوم يعطي اللبنانيين بعض الأمل أمام السواد الذي يُحيط بهم، ويفتح كوة في الجدار لبصيص ضوء في نهاية النفق، لأن عتبة كل مساهمة جدّية في الخروج من النفق تبدأ بولادة حكومة، والنهوض عبرها بدور الدولة ومؤسساتها.
– في الشأن الاقتصادي والاجتماعي كما في الشأن الحكومي، كان السيد نصرالله صادقاً وشفافاً مع اللبنانيين فصارحهم بأن الآتي أشدّ قسوة، وأننا في طريق رفع الدعم ولو بعد حين، لكنه من موقع الإدراك لأهمية تخفيف الضغط عن طلب الدولار من السوق متمسك بمبادرته باستيراد المحروقات بالليرة اللبنانيّة، حيث تشكل فاتورة المحروقات نصف فاتورة الاستيراد، التي سيجري تمويلها بمزيد من الطلب على الدولار عندما يتوقف مصرف لبنان عن تأمين دولارات الاستيراد، ولأن إيران كدولة صديقة وافقت على بيعنا المحروقات، فنحن ماضون في سعينا مبشراً بأن كل الترتيبات اللوجستية والإدارية أنجزت وعندما تدق الساعة ويتخذ القرار، لن نحتاج الا لإطلاق الحركة للتنفيذ.
– في زمن يعمّ فيه السواد، جاء كلام السيد نصرالله بكل ما فيه واقعياً يلامس وجع الناس، كما في كلامه على قطع الطرقات، ودعوته للقيادات لقدر من المقاربة الأخلاقيّة لمسؤولياتهم تجاه من يمنحهم ثقته من الناس، وهم يرون الذل والهوان والوجع والألم، في عيون المواطنين ولا يحرّكون ساكناً، ولا يقدمون على ما يجب فعله بالحد الأدنى لتخفيف المعاناة، ولعل بعض ما تمّ وما سيتمّ يأتي على إيقاع محاولة تفادي الخيارات التي بشّر بها السيد نصرالله، التي ستحلّ ساعتها مهما استأخروها.
– نصف الطريق نعم، لكنه نصف صعب، وقطعه يسهّل قطع النصف الثاني.