أولى

الرئيس بشار الأسد بكامل حيويّته لقاء الساعات الثلاث…

 د. جمال زهران*

لم يكن لقاءً عادياً أو معتاداً، كسابقه من اللقاءات التي تجاوزت العشرة، بل كان لقاءً مختلفاً، بل وفريداً للغاية. فصباح يوم الاثنين 14 يونيو/ حزيران من الساعة 11 صباحاً وحتى الساعة الثانية بعد الظهر، ولمدة ثلاث ساعات متصلة وبلا توقف نهائياً، كان اللقاء مع الرئيس الدكتور بشار الأسد بكامل حيويته وشبابه يرحب بنا، وبكلمات مقتضبة بسيطة، ثم يتيح الفرصة لجميع الحضور والبالغ عددهم 25 رمزاً من رموز العمل السياسي والحزبي والوطني، في أغلب الدول العربية، بطرح أسئلتهم وهمومهم على الرئيس، ويجيب على كلّ نقطة طرحت من دون تردّد.

من حيث الشكل أولاً: فقد تمّ ترتيب اللقاء على أعلى المستويات، بهدف تقديم خالص التهنئة للرئيس بتجديد ثقة الشعب السوري، وتقديم التهاني للشعب السوري، بالتدافع والتدفق نحو صناديق الانتخابات في يوم «ماراثوني» طويل بدأ من السابعة صباحاً واستمر حتى منتصف الليل، بعد أن تمّ التمديد لخمس ساعات وفقاً لما نص عليه الدستور والقانون، لاختيار من يريد من المرشحين الثلاثة الكبار في القيمة والمكانة، وبإرادته الحرة الأبية، وكان الاختيار صائباً بتجديد الثقة في الرئيس الأسد، وسط متابعة العالم والإقليم، ومتابعة منظمات حقوقية عالمية.

ومن حيث الشكل ثانياً: فإنه قد تمّ التنبيه علينا قبل مقابلة الرئيس الأسد، ألا يرتدي أحد الحضور «الكمامة» نهائياً، وفي المقابل عدم مصافحة الرئيس أو احتضانه كما كان معتاداً من قبل، الأمر الذي يعكس تحدياً أكبر في مواجهة وباء كورونا، ويؤكد، أنّ مَن انتصر على الإرهاب، لا بدّ أنه سينتصر على الوباء الكورونيّ!

ومن حيث الشكل ثالثاً: فإنه بمجرد وصول السيارات، إلى مبنى الرئاسة، ننزل فنجد باباً وقد انفتح، ونجد الرئيس بشوشاً في استقبالنا يأتي إلينا بحيويّته المعتادة ليستقبلنا فرداً فرداً، ثم يدعونا جميعاً لدخول القاعة للجلوس في جلسة دائرية تضمّ جميع الحضور، وقد شاركتنا السيدة الدكتورة بثينة شعبان (المستشار السياسي الأول للرئيس بشار)، طوال الجلسة، وهي تجلس في منتصف الجانب الأيمن وبعيداً عن الرئيس، وتمسك ورقة وقلماً، لتكتب وقائع اللقاء والحوار الذي تمّ فيه.

ومن حيث الشكل رابعاً: فإنّ الرئيس بشار، يجلس في المنتصف وعن يمينه وعن يساره وفي مواجهته، جميع الحضور في شكل دائري، يتسم بالأسريّة والعائليّة، والودّ، وليست أمامه لا «ترابيزة» يضع عليها أوراقاً، وليس أمام أحد ذلك أيضاً، ولا يمسك ورقة ولا قلماً، ويردّ في لباقة ووضوح وشفافية يلمسها مَن يلقاه عن قرب، على كلّ نقطة يثيرها أيّ من الحضور، من دون تردّد، الأمر الذي يعكس ويؤكد امتلاكه ناصية الرؤية القوميّة العروبيّة الواضحة، التي هي المعين الأساسي، بل والبوصلة لكل سياساته. وأشهد أنه لم يترك أيّ كلمة أو تساؤل رئيسي أو فرعي، لأيّ من الحضور، إلا وأجاب عليه أو علق عليه وبإسهاب بلا نظير.

ومن حيث الشكل خامساً: بعد مرور نصف ساعة من بداية اللقاء، سأله منسق الوفد، هل هناك وقت محدّد ننتهي عنده سيادة الرئيس، حتى يتمّ تحديد عدد المتحدثين الآخرين، وتقديراً لقيمة الوقت عندكم، قال على الفور: «لا… لا سقف للوقت معكم، فأنتم الشعب العربي هنا في سورية، ممثلو الشعب في كلّ قطر، وأنا أحبّ أن أستمع إلى صوت الشعب ورأيه، بلا قيود أو حواجز أو سقف زمني، على عكس اللقاءات الرسميّة، المحدّدة الوقت والأشخاص والتي تتسم بالطابع الرسمي. أما الحديث مع الشعب العربي برموزه القوميين والمقاومين والمناضلين، فهو أمر مختلف وممتع، وأستفيد منه، ويساعدني في تفهّم المحيط العربيّ الحقيقيّ وتطلعات شعبنا العربي في كلّ قُطر، وهمومه، وآماله. ولا شك في أنّ هذا أمر نادر الحدوث في أي قٌطر عربي. فالمعتاد أن يحدث اللقاء مع الرئيس، ليتحدث واحد أو اثنين، ثم يتحدث الرئيس لدقائق، ثم التقاط صورة تذكارية، وينتهي الأمر في أقلّ من 20 دقيقة، وهو ما شاهدته كثيراً، وعشته واقعياً، حتى لا يتصوّر أحد أيّ شبهة انحياز لشخص الرئيس الأسد. فعندما يخصص الرئيس الأسد ثلاث ساعات للحوار مع نحو 25 شخصية عربية، كلّ لها وزنها في الوطن العربي، فهذا شيء كبير، ويمثل لقاء «القيمة» لحق الشعب العربي في الحوار مع الرؤساء الحقيقيين الذين يمثلونه في قمة السلطة. علماً بأنه سبق أن شاركت في لقاء مع الرئيس الأسد منذ سنوات بسيطة، استمرّ 4 ساعات، وكتبت وقائع ما دار في ذلك اللقاء. ومن ثم فهذا ليس بأمر جديد في لقاءات الرئيس بشار الأسد، أعانه الله على مهامه القوميّة والوطنية.

ومن حيث الشكل سادساً: فإنني عندما التقيته مباشرة عند الدخول، كنت قد أعددت كتابي عن سورية: رمز الصمود والمقاومة، لإهدائه له، فما كان منه فوراً، أن ردّ عليّ، لقد وصلني منذ نصف ساعة من د. نجاح العطار (نائبة الرئيس)! والمعنى أنّ السيد الرئيس يتمتع بالذهن الحاضر، بكونه يتذكر أنّ الكتاب ذاته وصله وأكيد اطلع عليه، والدليل حضور هذا الكتاب في ذهنه، والتعليق المباشر عليه عند مجرد تسليمه لسيادته.

ومن حيث الشكل سابعاً: عندما بدأ اللقاء بعد جلوس الرئيس، دعانا إلى البدء بالتعارف، وبدأ باليمين، وكنت أجلس على يساره، وعندما وصل دوري، قال، لا.. لا… د. جمال أعرفك جداً، فاستأذنت سيادته لتأكيد جديد، فوافق، فقلت له، بالإضافة إلى أنني الأمين العام المساعد الأول للتجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة، فإنني أصبحت الآن رئيساً للجمعية العربية للعلوم السياسية منذ عامين، وباعتبارها جمعية عروبيّة قوميّة، ولها دستور مقاوم ضدّ الاستعمار والصهيونية منذ عام 1985، وحتى الآن، فإنني أدعو سيادتكم لدعمها ورعاية نشاطاتها والإذن لتنظيم مؤتمراتنا العلميّة هنا في دمشق قلعة العروبة، فابتسم ببشاشة وجهه المعروفة، وقال طبعاً موافق، وأشار إلى الدكتورة بثينة، لمتابعة الأمر والاستجابة لما يطلبه د. جمال وفوراً، وشكرني.

وعلى الرغم من أنّ آخر واقعتين من حيث الشكل، تخصّني شخصياً، إلا أنّ الإشارة لهما واجبة، لتعلقهما بطبيعة شخصية الرئيس بشار الأسد وذهنه الحاضر وعروبته فكراً وسلوكاً، وهو صانع القرار السياسيّ في الوطن العربي، الذي تعرّض بلده سورية الحبيبة، لأكبر مؤامرة في التاريخ، حيث تكالب عليها الذئاب، ولم يكن هؤلاء يدركون أنّهم يدخلون عرين «الأسد»، ولن يخرجوا منها إلا جثثاً مفحمة. واستطاع الرئيس الأسد أن ينتصر بمثلث القوة والصمود، وأركانه هي (القائد والشعب والجيش). والحمد لله، على أنّ سورية تمكنت من الانتصار وكسر مؤامرة «المصيدة»، ولم تُصب بالانهيار، كما حدث مع بلدان عربية شقيقة. أما ما حدث من عصف ذهني في اللقاء، فذلك هو ما سيتضمّنه المقال المقبل بإذن الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربيّ الإسلاميّ لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعيّة العربيّة للعلوم السياسيّة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى