ناظم القدسي وقرى الحدود
} الأمين سمير رفعت
تعرّض الكيان الشامي لاعتداء «إسرائيلي» شرس بعد انفكاك عقد الوحدة مع مصر؛ إذ قام العدو «الإسرائيلي» بمحاولة اجتياح لمناطق حدودية في العام 1962، كانت الغاية برأيي إفهام الشام أنها بعد انفراط الوحدة أصبحت لقمة سهلة، ما حدا بالجيش الشامي لأن يستشرس في الدفاع عن حدوده، التي لا أعترفُ بها مع فلسطين المحتلة، وبعد إفشال الاعتداء أُحضرَت المجنزرات والدبابات «الإسرائيلية» المحترقة والمعطوبة نتيجة نيران الجيش الشامي وعُرِضَت في ساحات دمشق.
كنتُ في بدايات عملي في هيئة الإذاعة والتلفزيون الشامي، وتقرّر أن أرافق رئيس الجمهورية الأستاذ ناظم القدسي في زيارته للمناطق الحدودية التي تعرّضت لمحاولة الاجتياح. ذهبنا إلى الحدود، زار الأستاذ القدسي القرى التي طالها العدوان، ثم وقف يستقبل الضباط وصفّ الضباط الذين بذلوا ما استطاعوا للدفاع عن تلك القرى والبلدات، وكنت أقف خلفه بينما يقف ابن عمتي العقيد شرف زعبلاوي إلى يمينه، وكان يشغل منصب مدير الغرفة العسكرية في القصر الجمهوري… فجأة جاء من يقول لرئيس الجمهورية إنّ قرى حدودية من لون طائفيّ معيّن أهاليها ساعدوا العدو في عدوانه، وبعضهم فتح بيته كمحطة إسعاف أولى لجرحى العدو. هذه خيانة يا فخامة الرئيس.
استهجنت كثيراً وأنا أنتمي للنهضة القومية الاجتماعية أن توصف طائفة بالخيانة، فتقدّمت من الرئيس القدسي هامساً، كما كنت أخاطبه نتيجة صداقته لوالدي حين كان محافظاً لمدينة حلب في العام 1949، ونسج علاقات حميمة مع قادة المدينة: «عمو ناظم، لا يجوز أن توصف طائفة بالخيانة… هناك أشخاص وليس مجموعات خائنة». أيّدني الرئيس القدسي بحرارة، وأجاب المتكلمين بهذا المنطق: «أنا لا أسمح أن تُطلق الخيانة على طائفة ما… سمّوا لي أسماء الأشخاص الذين مارسوا هذا العمل المرفوض والمشين حتى أعدّ لهم محكمة عسكرية فوراً، وأحكمهم بالإعدام».
في هذه الأثناء، تقدّم ابن عمتي العقيد شرف من أحد الضباط الذين يقفون صفاً لتحية رئيس الجمهورية وانتزعه من الصف. لفتَ هذا التصرف نظر رئيس الجمهورية، فسأله عن السبب، أجابه العقيد شرف زعبلاوي: «فخامة الرئيس، هذا الضابط ترك قطعته على الحدود مباشرة وهرب قبل حدوث الاجتياح الإسرائيلي، مما أربك جنوده الذين بقوا بلا قيادة، ومما جعل هذا التصرف الثغرة الأضعف التي دخل منها العدو الإسرائيلي، والآن يقف في الصف ليقدّم التحية لك وكأنه شارك في صدّ العدوان، بينما هو مطلوب للتحقيق في قيادة الأركان بدمشق».
هذا الضابط التقيت به بعد سنة أو أقلّ حاكماً لهيئة الإذاعة والتلفزيون، ذكّرني هو بالحادثة، وبقي على حاله حتى هرب إلى الأردن وأكمل عمالته مع النظام هناك، إلى أن حدثت الحرب العام 1967، فحاول دخول دمشق للقيام بانقلاب عسكري، لكن قُبض عليه وأُعدِم. هذا الإعدام جاء متأخراً ست سنوات فقط… أما اسم هذا الضابط فلا أظن أنه خفي على أحد ممّن قرأ هذه السطور.