أخيرة

المسألة السورية بدأت قبل مئة عام

} يكتبها الياس عشّي

 في غمرة الحرب العالمية الأولى (1914 _ 1918) كان الاستعمار الغربي منهمكاً في تقاسم تركة الامبراطوريّة العثمانية التي بدأت تنهار وتتفكّك نتيجة ظروف متعدّدة ومتشابكة، لعلّ من أبرزها:

1 ـ اليقظة القومية التي اجتاحت العالم العربي.

2 ـ الحكم الاستبدادي الذي كمّ الأفواه ونصب المشانق.

3 ـ ورغبة هذا الاستعمار في القضاء على «الرجل المريض» كي يضع يده على ثروات واعدة في عالم عربي غنيّ، بوابته سورية الطبيعية.

وكان لا بدّ من ترتيب المنزل السوري من جديد، ووضع اليد على بوابات العبور منه وإليه، وتقسيمه إلى غرف ضيقة بين كلّ منها جدار من الإسمنت، ويافطات تحمل أسماء دول جديدة لم نسمع بها من قبل، فكانت اتفاقية سايكس ـ پيكو (1916) السرية بين فرنسا وإنكلترا وبمباركة روسيا القيصرية، وكان وعد بلفور (1917) الذي أعطى وعداً بإقامة وطن قومي لليهود. هذه الاتفاقية وهذا الوعد هما وراء كلّ ما جرى في سورية الطبيعية منذ مئة عام، وما يجري اليوم، وما يمكن أن يجري في المستقبل.

إنّ من يقرأ تاريخ العقدين الأولين من القرن العشرين يدرك أنّ الهمّ الأكبر للدول الاستعمارية هو:

1 ـ منع قيام وحدة سورية الطبيعية التي إنْ حدث وقامت، فإنّ كلّ الأحلام الغربية ـ الإسرائيلية ستسقط، وسيكون لسقوطها دويّ عظيم.

2 ـ تحقيق وعد بلفور في إقامة وطن لشعب الله المختار على أرض فلسطين.

3 ـ الثأر من صلاح الدين الأيوبي الذي انتصر على الفرنجة في معركة حطين.

ومن هنا جاءت المحاولة، بعد تطبيق الانتداب، في تقسيم سورية المقسّمة أصلاً إلى دول متعددة لم يكتب لها الصمود بسبب مواجهة الشارع السوري الرافض لها.

ومنذ اللحظة الأولى من إعلان قيام الدولة العبرية أدركت الصهيونية العالمية أنّ استمرار هذا الكيان الهشّ المسمّى بـ «دولة إسرائيل» رهن بضعف الدول المجاورة لها عسكرياً واقتصادياً، وقتل أحلامها الوحدوية، وإثارة الفتن الداخلية بين أبناء البلد الواحد، أو بين بلدين متجاورين.

وهذا ما يحدث الآن وبالضبط في سورية الطبيعية بشكل عام، وفي الجمهورية العربية السورية بشكل خاص.

 سورية الدولة الخارجة من عنق الانقلابات العسكرية إلى واحة من الاستقرار السياسي والاقتصادي والمعرفي،

سورية البلد الآمن من أقصاه إلى أقصاه،

سورية البلد الذي كانت ديونه صفراً،

سورية الممانعة، القوية، القادرة على إحداث فرق في مواجهة العدو، المؤمنة بحقّها في السيادة،

سورية كهذه لن يسمح لها أن تكون، وكان على السوريين أن يختاروا بين الركوع أو المواجهة:

 ووقع الاختيار على المواجهة.

*من كتاب «الرقص في عيد البربارة على الطريقة الأمريكية».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى